اغتنام الفرصة
مع تراجع نماذج المساعدات الغربية، يطرح عبد الله خوري الحجج لاتباع مناهج أكثر استراتيجية ومؤسسية للعمل الخيري في دول مجلس التعاون الخليجي
الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025
مع تراجع نماذج المساعدات الغربية، يطرح عبد الله خوري الحجج لاتباع مناهج أكثر استراتيجية ومؤسسية للعمل الخيري في دول مجلس التعاون الخليجي
الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025
عبد الله خوري عبد الله خوري هو رائد أعمال إماراتي ومستشار استراتيجي مقيم في دبي. يحمل درجة الماجستير في التربية من جامعة «هارفارد» وبكالوريوس في الشؤون الدولية من جامعة «نورث إيسترن». عبد الله هو مؤسس منظمة «تو بوينت فايف»، وهي شركة استشارية في مجال الابتكار الاجتماعي الخيري، كما هو الشريك المشارك في مؤسسة «ناوا»، والشريك الحصري لشركة «أوراكل» في مجال الرقمنة الحوكمية. عمل سابقاً في المكتب التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وكان مديراً أول في معرض إكسبو 2020 دبي، حيث أشرف على برنامج منح الابتكار بقيمة 100 مليون دولار، والذي يدعم 140 مؤسسة اجتماعية عبر 76 دولة. يساهم عبد الله في صنع السياسات والقيادة الفكرية بصفته زميلاً أول في مؤسسة «فكر»، مع التركيز على العمل الخيري والابتكار الاجتماعي في الخليج.
يشهد المسرح التنموي العالمي تحولاً عميقاً يتسم بتراجع المساعدات الغربية التقليدية وظهور جهات خيرية فاعلة جديدة.
وبعد أن كانت دول مجلس التعاون الخليجي هامشية في الخطاب التنموي العالمي السائد، أصبحت الآن في وضع يسمح لها بتأكيد ريادتها من خلال نماذج خيرية متجذرة في الأخلاقيات المحلية والتضامن فيما بين دول الجنوب العالمي.
إن عدد متزايد من مؤسسات دول مجلس التعاون الخليجي (الخاصة والحكومية) تشارك في أنشطة عابرة للحدود الوطنية، والتي تشبه إلى حد كبير المساعدات الإنمائية الرسمية أو المساعدات الخارجية.
وعندما تعمل كيانات مدعومة من السيادة عبر الحدود الوطنية، مثل مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية في المملكة العربية السعودية أو مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية في الإمارات العربية المتحدة، فإنها غالباً ما تكون بمثابة أدوات للقوة الناعمة؛ ويعكس المصطلح الناشئ — أي 'الدبلوماسية الخيرية' — هذا الدور الهجين.
كما وسّعت دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير حافظات المساعدات الإنمائية الرسمية؛ فمن عام 2019 إلى عام 2022، ساهمت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت بمبلغ قدره 28.9 مليار دولار كمساعدات إنمائية رسمية، متجاوزة بذلك نظيراتها في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من حيث نسب المساعدات الإنمائية الرسمية إلى الدخل القومي الإجمالي.
ومن عام 2010 إلى عام 2021، تكفلت دول مجلس التعاون الخليجي بما متوسطه 7.5 بالمئة من التمويل الإنساني العالمي، وبلغت ذروتها ما فاق 16 بالمئة في عام 2018.
هذه الأرقام لا تسلط الضوء على تزايد الالتزامات المالية فقط، بل على تحول بارز في التموضع الجيوسياسي أيضاً.
إن مؤسسات مجلس التعاون الخليجي تُظهر توافقاً مع أولويات التنمية العالمية، حيث يتم توجيه معظم تمويلها الخيري نحو قطاعات التعليم والصحة والعمل الإنساني، وهي مجالات لطالما دعمتها جهات مانحة مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وغالباً ما تُقاد هذه الجهود من قِبَل مؤسسات خيرية ملكية وحكومية، مثل مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، ومؤسسة قطر، ومركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية، ومؤسسة الوليد للإنسانية.
تملك دول مجلس التعاون الخليجي الآن فرصة سانحة لإعادة تعريف هيكل التنمية العالمية من خلال تطوير أساليب قائمة على الشراكة، ومرتكزة محلياً بدلاً من فرضها خارجياً، ومنسجمة بعمق مع التطلعات المشتركة لدول الجنوب العالمي.
"أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة من أبرز الممولين الإنسانيين، حيث تقدم المساعدات لمناطق الأزمات حول العالم. الصورة: مساعدات الإمارات."
مع توسع دور دول مجلس التعاون في التنمية العالمية، هناك فرصة موازية لتعزيز وإيناع البيئة الخيرية المحلية.
في حين أحرزت المنطقة تقدماً هاماً، إلا أن المسرح الخيري لا يزال في مرحلة تكوينية، ويتميز بتعقيد تنظيمي، وبنية تحتية مؤسسية محدودة، ونقص الحوافز لمشاركة القطاع الخاص.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه القطاع الثالث في دول مجلس التعاون الخليجي نقصاً في المواهب يحد من الابتكار في الممارسات الخيرية.
وتواصل العديد من المنظمات غير الربحية في مواجهة تحديات تشغيلية، بما في ذلك الأطر القانونية المجزأة ونقص الآليات المخصصة لتمكين النمو طويل المدى.
كما يُقيد التنسيق الاستراتيجي غياب أنظمة البيانات المركزية، ومقاييس الأداء المشتركة، والمنصات الشفافة لتوجيه العطاء.
نتيجة لذلك، غالباً ما تلجأ الأعمال الخيرية إلى قنوات غير رسمية مثل الزكاة والعطاء الشخصي. وتفتقر هذه المناهج، رغم أنها متجذرة بعمق في التقاليد الثقافية والدينية، إلى التكامل مع التخطيط الوطني أو إلى نتائج استراتيجية طويلة المدى قابلة للقياس.
مع ذلك، فإن الإمكانات غير المستغلة تبقي هائلة. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي رأس المال الخيري في المنطقة يتراوح بين 52 مليار و258 مليار دولار، حيث يستند النطاق الأدنى من هذه التقديرات على تطبيق متحفظ للزكاة بنسبة 2.5 بالمئة على الناتج المحلي الإجمالي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي البالغ 2.1 تريليون دولار.
ومن المرجح أن هذه الأرقام تقلل من الحجم الحقيقي لإجمالي رأس المال الخيري في المنطقة، وذلك نظراً لانتشار العطاء غير الموثق بين الأفراد ذوي الثروات العالية والشركات العائلية.
ومن الجدير بالذكر أن الشركات العائلية، التي تشكل 90 بالمئة من القطاع الخاص في الإمارات العربية المتحدة، لا تزال إلى حد كبير غير مُهيكلة في أنشطتها الخيرية.
تمثل الظروف المتغيرة فرصة سانحة للإصلاح؛ إن إدخال الضرائب على الشركات، وظهور معايير البيئة والمجتمع والحوكمة، والاهتمام المتزايد بالاستثمار الاجتماعي، يوفر لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي نافذة لتحفيز العطاء المنظم من خلال المزايا الضريبية، وتحديث اللوائح التنظيمية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص.
إطلاق هذه الإمكانات من شأنه أن يضع القطاع غير الربحي في موقع استراتيجي كمساهم في التنمية الوطنية والناتج المحلي الإجمالي. وعلى الصعيد العالمي، تلعب منظمات المجتمع المدني أدواراً رئيسية في خلق فرص العمل، وتقديم الخدمات، والمشاركة المدنية.
إن الوجود المحوري لـ 'مركز وطني للمنظمات غير الربحية'، أو منصة تنسيق على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، من شأنه أن يتيح نشر رأس المال الخيري بكفاءة أكثر، وتحفيز الابتكار، وتوسيع نطاق المبادرات ذات الأثر العالي.
كما إن تأطير العمل الخيري باعتباره 'البحث والتطوير الاجتماعي' من شأنه أن يضفي شرعية أكبر على دوره كذراع مجازف لحل المشكلات العامة، ولاختبار حلول قد تكون الحكومات أبطأ أو أقل قدرة على تنفيذها.
"تشهد الأعمال الخيرية في دول مجلس التعاون الخليجي تحولًا جوهريًا... وهي في موقع قوي للتأثير في مستقبل التنمية العالمية."
إن نظام البيئة الخيرية المرنة يعتمد على تحسين الشفافية وسهولة الوصول إلى البيانات. ولتمكين العمل الخيري في دول مجلس التعاون الخليجي من لعب دور تحويلي في المسرح التنموي العالمي، لا سيما ضمن نموذج ما بعد الغرب، فإنه يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ عدد من الإصلاحات الشاملة عبر الأبعاد التنظيمية والمؤسسية والاستراتيجية.
وتشمل هذه الإصلاحات:
إن إنشاء سجل رقمي موحد على المستويات الوطنية للمنظمات غير الربحية المعتمدة (سواء أكانت تابعة للحكومة أو خاصة) وإجراء أبحاث قائمة على الأدلة حول أداء القطاع سوف يعزز الرصد ويقلل من التكرار. كما إن فرض الإفصاح العام عن نفقات المنظمات غير الربحية، والنفقات العامة، ونتائج الرصد والتقييم، من شأنه أن يساعد في ترسيخ المساءلة بشكل مؤسسي.
إن إدراك القيمة الاقتصادية والاجتماعية للقطاع الثالث من خلال دمجه في خطط التنمية الوطنية سوف يمنح اعتراف أفضل بمساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وعلى سبيل المثال، تطمح المملكة العربية السعودية في توسيع قطاعها الثالث إلى 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
إن إنشاء حوافز مستهدفة، مثل المزايا الضريبية للمانحين من الشركات، ووضع أطر شراكة واضحة بين الحكومة والجهات الخيرية، سوف يشجع على تعميق مشاركة القطاع الخاص.
تمكين الجهات الخيرية من مواجهة تحديات هيكلية، مثل التعليم والصحة العامة وتوظيف الشباب، من خلال آليات الاستثمار المشترك مع شركاء الجنوب العالمي، بما في ذلك البنك الإسلامي للتنمية والشبكات الخيرية الإقليمية، سوف يعزز من دمج عطاء دول مجلس التعاون الخليجي في أطر التعاون الأوسع بين دول الجنوب العالمي.
يمكن أن يساعد تخفيف المتطلبات الإجرائية الحالية، مثل عمليات التسجيل المعقدة، أو القيود المفروضة على جمع التبرعات، أو الحاجة إلى تصاريح عالية المستوى، في خلق بيئة أكثر ملاءمة لنمو المنظمات غير الربحية، مع الحفاظ على الرقابة اللازمة.
إن بناء خطوط قيادية متخصصة من خلال الزمالات والبرامج الأكاديمية ومراكز البحث الجامعية يمكن أن يساعد في إضفاء الطابع الاحترافي على القطاع وتكوين جيل جديد من قادة العمل الخيري.
إن دعم رواد الأعمال الاجتماعيين كركيزة أساسية للعمل الخيري، خاصة في دول مثل مصر وتونس والمغرب، يحمل في طياته وعداً طيباً بالابتكار المدني وخلق فرص عمل شاملة.
يمكن لأدوات التمويل المبتكرة، مثل التمويل المختلط واستثمار الأثر، أن تكمل نماذج العطاء التقليدية، بينما يمكن للأدوات الرقمية الشاملة أن توسع نطاق مشاركة المانحين والمشاركة المجتمعية.
سوياً، يمكن لهذه التدابير أن تآزر وضع ومكانة العمل الخيري في دول مجلس التعاون الخليجي، ليس فقط كمساهم موثوق واستراتيجي في المسرح التنموي العالمي، بل كقائد قائم على القيم وقادر على تقديم بديل إقليمي ذا صلة عالمية لأطر المساعدات التقليدية.
تشهد الأعمال الخيرية في دول مجلس التعاون الخليجي تحولاً حاسماً؛ وهذا يقدم فرصة لترسيخ المساعدات في التقاليد الأخلاقية المحلية، مدعومة بقدرات مالية واستراتيجية متنامية، مما يجعلها في وضع جيد للتأثير على مستقبل التنمية العالمية. ويتزامن هذا الانتقال مع إعادة تنظيم أوسع للقوة العالمية، وذلك مع تراجع نماذج المساعدات التي يقودها الغرب، ومع إرساء الجنوب العالمي لقدر أكبر من الوكالة.
ومن خلال هذا النهج، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي صياغة نموذج تنموي جديد متجذر في العدالة والتبادل والأصالة الثقافية. ويتطلب تحقيق هذه الرؤية استثماراً في المؤسسات، والبنية التحتية للبيانات، ورأس المال البشري، والإصلاح التنظيمي.
ليس الهدف تقليد أو إزاحة الغرب، بل بناء هيكل تنموي أكثر تعددية ورسوخاً وإنصافاً — هيكل تنموي يتشكل من خلال السياقات المحلية والتضامن العالمي.
يمكن للعمل الخيري في دول مجلس التعاون الخليجي أن يساعد في تعريف هذا الفصل الجديد من خلال دمج التقاليد القائمة على السياق مع الاستراتيجية، ودمج الأهمية الإقليمية مع القيادة العالمية.
هذه المقالة هي نسخة مختصرة من مقال كُتب لمؤسسة «فكر» ويُمكنكم قراءة النص الأصلي هنا.
It's a good idea to use a strong password that you're not using elsewhere.
Remember password? Login here
Our content is free but you need to subscribe to unlock full access to our site.
Already subscribed? Login here