تمارا غندور هي رائدة أعمال، ومستثمرة إنسانية واجتماعية، تُكرّس جهودها لتمكين المرأة. وبعد ابتداء مسيرتها المهنية في مجال تجارة التجزئة الفاخرة في لندن، فإنها قد حولت تركيزها إلى قطاع الأثر والتنمية، حيث عملت أولاً مع منظمة «سوا للتنمية والإغاثة» التي تدعم اللاجئين السوريين، ولاحقاً مع المؤسسة الاجتماعية اللبنانية «فابريك إيد». ثم انتقلت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لتقديم خدمات إستشارية لمكتب عائلي حول مبادرات الأثر، ومبادرات الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة. ولقد لعبت تمارا دوراً أساسياً في تأسيس وقيادة مُسرّع «هيرميناو» (HerMeNow)، الذي مكّن المشاريع الاجتماعية التي تقودها النساء في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا قبل إطلاق «راما إمباكت» (Rama Impact) في عام 2024—وهو صندوق يركز على الأثر أولاً، ويدعم المشاريع الاجتماعية التي تقودها النساء في مراحلها المبكرة، مما يعزز كل من القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ والتمكين الاقتصادي في المجتمعات المحلية المحرومة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
بنشأتي في بيروت ما بعد الحرب، فإنني قد رأيت بنفسي كيف أن النساء في كثير من الأحيان يفتقرن إلى الاستقلال المالي وإلى صوت في صنع القرار، وهذا بالرغم من صورة لبنان التقدمية. ولقد شكلت تلك التجربة التزامي الدائم بتمكين المرأة.
وأثناء دراستي في الجامعة الأميركية في بيروت، أطلقت مشروعاً اجتماعياً صغيراً كان يوظف خياطات من المجتمعات المحلية المحرومة، وكنت أجلب الأقمشة من متاجر محلية متعثرة. وأثارت هذه المبادرة اهتماماً أعمق بدواخلي، مما دفعني إلى ملاحقة رسالة الماجستير في ريادة الأعمال بمجال الموضة في لندن. ثم عملت في مجال تجارة التجزئة الفاخرة مع «فيراغامو» و «هارودز»، حيث خدمت عملاء بارزين مثل بينيلوبي كروز وديفيد بيكهام.
وعلى الرغم من أن ذلك العالم كان مثيراً، إلا أنني شعرت بعدم الرضاء—إذ كنت أتوق إلى الإبداع والغاية معاً. وكانت رحلتي التطوعية إلى أمريكا اللاتينية، لرعاية الأطفال وكبار السن، هي نقطة تحول. وعدتُ منها ملتزمةً بمسار أكثر جدوى.
وتواصلتُ مع صديقة قديمة، رُبا محيسن، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنظمة غير الحكومية «سوا للتنمية والإغاثة» في لبنان. وكنت أفكر حينها في الحصول على شهادة أخرى في المجال الإنساني أو التنموي، ولكنها شجعتني بدلاً من ذلك على الانضمام إلى فريقها واكتساب خبرة عملية من العمل الميداني المباشر.
وفي عام 2016، إبان ذروة أزمة اللاجئين السوريين، انضممتُ إلى منظمة «سوا للتنمية والإغاثة»، حيث عملتُ بمخيمات اللاجئين في لبنان. وكان دوري عملياً وواسع النطاق—إذ شاركت في كل شيء من جمع التبرعات وتصميم البرامج إلى التسويق والهيكلة المالية. وكانت تجربة مكثفة وغامرة قد كشفت النقاب عن الحقائق الصارخة للقطاع الإنساني. ولقد شهدتُ بنفسي كيف كانت المنظمات الشعبية تقوم بالجزء الأكبر من العمل، في حين أن المنظمات غير الحكومية الدولية الكبيرة غالباً ما تتحرك ببطء وتستهلك حصة غير متناسبة من الموارد.
وكان العديد من البرامج التي تقودها الجهات المانحة هي قصيرة المدى، وغالباً ما تكون مدفوعة بأجندات سياسية، مما يجعلها غير متوافقة مع الاحتياجات الفعلية على أرض الواقع. "نحن بحاجة إلى تعليم الناس كيفية الصيد"—وليس إبقائهم معتمدين على الإغاثات إلى أجل غير مسمى.
"كان العديد من البرامج التي تقودها الجهات المانحة هي قصيرة المدى، وغالباً ما تكون مدفوعة بأجندات سياسية، مما يجعلها غير متوافقة مع الاحتياجات الفعلية على أرض الواقع."

الصورة بواسطة جوناثان رامالهو على موقع Unsplash.
وقادني هذا الشعور بخيبة الأمل إلى ريادة الأعمال الاجتماعية—ودعم الناس في حل مشاكلهم بطرق مستدامة وقابلة للتوسيع.
وفي عام 2017، انضممت إلى «فابريك إيد»، وهي مؤسسة اجتماعية لبنانية تقوم بجمع الملابس المستعملة وإعادة تدويرها—مما يؤدى إلى خلق فرص عمل، وتوفير ملابس بأسعار معقولة للمجتمعات المحرومة، والتقليل بشكل كبير من نفايات مكب النفايات.
وبحلول عام 2021، انتقلت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لدعم مكتب عائلي في بناء قسم الأثر والممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة الذي يركز على تمكين المرأة. وقمنا بتمويل المنح الدراسية، ودعمنا النساء في مجالات يهيمن عليها الذكور مثل الطيران، وأنشأنا مُسرّعاً للمؤسسات الاجتماعية التي تقودها النساء في مراحلها المبكرة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
ولقد كان حينها عندما بدأت أرى ما ألقبه بـ "الوسط المفقود"—وهي مؤسسات اجتماعية ذات نماذج قوية وإيرادات تتراوح ما بين 20 و25 ألف دولار، ولكن لا يمكنها الوصول إلى التمويل. وهي متقدمة جداً للحصول على منح، وفي نفس الوقت لم تكن قابلة للاستثمار من قِبَل أصحاب رأس المال المغامر. وعادةً لا تقدم البنوك قروض لشركات مثل هذه—إذ يُنظر إليها على أنها محفوفة بالمخاطر للغاية، وغالباً ما تفتقر إلى الضمانات، وتواجه نسبة فائدة مرتفعة جداً. ونتيجةً لذلك، تُترك العديد من النساء عرضة للمُقرضين الاستغلالين مثل المُرابين الذين يتقاضون فائدة بنسبة 50٪. ونحن نعمل على سد هذه الفجوة من خلال بديل أكثر دعماً وإنصافاً.
ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 9 من كل 10 مؤسسات اجتماعية تنهار ما بين العامين الرابع والسادس من إنشائهم. وفي منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، تبلغ الفجوة التمويلية حوالي 270 مليار دولار أمريكي.
"دعونا ننتقل إلى ما هو أبعد من العمل الخيري، ونحو تمويل تحفيزي صبور يُمكّن النساء من قيادة التغيير—وفقاً لشروطهن."

تقوم شركة UZURI K&Y Ltd، التي شاركت في تأسيسها كيفين كاجيريمبوندو في رواندا، بإعادة استخدام المواد المعاد تدويرها، وخاصة الإطارات المستعملة، لصناعة أحذية عالية الجودة وعصرية، مع توفير فرص عمل كريمة للشباب والنساء من خلال التدريب العملي في مجال التصنيع المستدام.
ولهذا السبب أسستُ «راما إمباكت»—لسد هذه الفجوة برأس مال تحفيزي وصبور ودعم إستراتيجي. ونحن صندوق يركز على الأثر أولاً، وندعم المؤسسات الاجتماعية التي تقودها النساء في مراحلها المبكرة، والتي تعمل في المجتمعات المحلية المحرومة مع تركيز على الصمود في مواجهة تغير المناخ والتمكين الاقتصادي.
وتشمل أنواع الأعمال التجارية التي ندعمها إدارة النفايات، والأعمال التجارية الزراعية والأمن الغذائي، والإسكان المستدام والميسور التكلفة، والأزياء المستدامة والأخلاقية، وأعمال الاقتصاد الدائري.
ولنأخذ «آن» من أوغندا، التي فقدت والدها في سن مبكرة وأمضت معظم طفولتها متنقلةً ما بين منازل الإيجار مع والدتها وشقيقها. وبعزمها على صنع مستقبل أفضل، فإنها قد درست الهندسة وادخرت ما يكفي من المال لشراء قطعة أرض، وقامت ببناء منازل مستدامة تؤجرها للأسر ذات الدخل المنخفض التي تعيلها نساء. وما يعنيه برنامج الإيجار المنتهي بالتمليك من قِبَل «Smart Havens Africa» هو أن العديد من النساء وبناتهن لديهن فرصة امتلاك منازل والتخلص من دوامة الفقر.
أو هناك مثال «ساما إيرين» في الكاميرون، التي طورت مزيجاً من الزبادي والحليب من فول الصويا بأسعار معقولة، وغنياً بالبروتين والكالسيوم، ومصنوعاً من مدخلات مزروعة محلياً. وبما أن التغذية أساسية جداً للنمو المبكر، فإن «Reine Food Enterprise» قد تمكنت من إطعام مليون طفل إضافي بقرض قدره 10 ألف دولار أمريكي فقط. وعلاوة على ذلك، تسهم هذه الأشغال في خلق فرص عمل، وخلق سوق جديد لصغار المزارعين الذين لم يتمكنوا من تصدير محاصيلهم. ولذا، فإن الشعور بالأثر هو أمر ملموس على مستويات عديدة.
وفي صندوق «راما إمباكت»، فإننا نقدم مسارين: برنامج القروض؛ وبرنامج ما قبل القرض.
وبالنسبة لبرنامج القروض، فإننا نقدم قروضاً بدون فوائد أو ضمانات تتراوح قيمتها ما بين 5 ألف دولار أمريكي و40 ألف دولار أمريكي يمكن سدادها على مدى 12 إلى 18 شهراً. وتختار النساء شروط السداد بناءً على نماذج أعمالهن وتدفقاتهن النقدية. وهذا يُمكّنهن من التمويل، أو رأس المال الصبور، ومن استخدام الأموال بالطريقة التي يرونها مناسبة؛ على سبيل المثال، لشراء الآلات والمواد الخام، وزيادة عدد الموظفين، والاستثمار في التسويق. وهدفنا هو مساعدة هؤلاء النساء على أن يصبحن جاهزات لجذب المستثمرين خلال دورتين أو ثلاث دورات من القروض.
كما نقدم دعماً غير مالي: الإرشاد، والتثقيف المالي، والتسويق الرقمي، والتخطيط الاستراتيجي، والتدريب على الرفاه—لأن العديد من هؤلاء النساء يُوازنن ما بين الأعمال التجارية ومسؤوليات الأسر والضغوط الهائلة.
ولقد نشأ برنامج ما قبل القرض بشكل طبيعي عندما رأينا كم عدد المتقدمين للقروض الذين لديهم إمكانات قوية، ولكنهم لم يستوفوا معايير الأهلية—ويرجع ذلك أساساً إلى أسباب مالية. وعليه، فإننا ندعمهم لمدة 12 شهراً لتجهيزهم للحصول على قروض.
ومنذ إطلاقه، فلقد قمنا بدعم 11 مؤسسة اجتماعية مملوكة بالنساء في كل من كينيا، وأوغندا، والكاميرون، ورواندا، وغانا، وساحل العاج، ووزعنا ديوناً بقيمة 105 ألف دولار حتى الآن.



آن ك. رويورا (إلى اليسار) أسست Smart Havens Africa لتمكين النساء في أوغندا من امتلاك منازل وكسر دوامة الفقر.
وعندما أسستُ صندوق «راما إمباكت»، كانت نيتي هي أيضاً دعم المؤسسات الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا—وهي المنطقة التي أعتبرها موطناً والتي قضيت فيها معظم مسيرتي المهنية. ومع ذلك، لم نقم بعد بإضافة أي شيء من هذه المنطقة إلى حافظتنا. ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل: عدم الارتياح الثقافي تجاه الديون، وتحديات الإقراض بالدولار في أسواق العملات غير المستقرة مثل فلسطين ولبنان ومصر، وبيئة عمل غير ناضجة بما يكفي لاستيعاب أحجام قروض تتراوح ما بين 20 و40 ألف دولار. وعلى الرغم من هذه الحواجز، فإن الحاجة إلى الاستثمار تُعد أمراً بالغ الأهمية، وما زلتُ متفائلةً بأن المنطقة سوف تشهد تطوراً يُسهل الحصول على هذا النوع من رأس المال التحفيزي.
وما زلنا رسمياً في المرحلة التجريبية، ونقوم بقياس مؤشرات الأداء الرئيسية بعناية حول الإيرادات والسداد، فضلاً عن الأثر البيئي والمناخي والاجتماعي. وفي هذه المرحلة، فإننا نعمل على جمع الأموال من خلال المنح، بينما نواصل اختبار نموذجنا وتحسينه. وفي المرحلة الثانية، نهدف إلى الانتقال إلى نهج التمويل المختلط. وبموجب هذا الهيكل، ستُغطي المنح كل التكاليف التشغيلية والدعم غير المالي، بينما سيتم توفير رأس مال القروض من قِبَل مستثمرين ذوي أثر مُيسّر—أي أولئك الذين هم على استعداد لقبول عودة رؤوس أموالهم (ديونهم) بدون فوائد، ولكن مع عائد قوي في الأثر.
ويرتبط تركيزنا على قدرة الصمود في وجه تغير المناخ ودعم المجتمعات المُستضعفة ارتباطاً وثيقاً مع مبادئ الشريعة الإسلامية. ونحن نقدم تمويلاً بدون فوائد، ونتجنب عمداً الاستثمار في شركات تتعارض مع القيم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وهناك إمكانات هائلة غير مستغلة في اقتصاد العطاء الإسلامي—الزكاة والصدقات والأوقاف هي أدوات مالية مهمة في المنطقة، حيث تُقدر مساهمات الزكاة وحدها بحوالي 600 مليار دولار سنوياً. وإننا نستكشف طرقاً لتوجيه جزء صغير من هذا التمويل إلى رأس مال تحفيزي لإحداث أثراً مستداماً وطويل المدى—متجاوزين بذلك العطاء الخيري قصير المدى، مثل التبرعات بالطعام أو الملابس خلال شهر رمضان، إلى استثمارات تُمكّن المجتمعات المحلية المحرومة وتبني قدرة دائمة للصمود والمرونة.
والفكرة هي أنه بمجرد سداد القرض، يتم إعادة تدوير الأموال وإقراضها لمؤسسة اجتماعية أخرى. ولذا، فإن هذه المنح تُعتبر متعددة الاستخدامات وتشارك في بناء حلول طويلة المدى واستدامة في المجتمعات المحلية المحرومة.
"إذا أردنا بناء مجتمعات مرنة واقتصادات شمولية، فإنه يجب علينا أن نستثمر في الأشخاص الذين يحلون المشكلات من الداخل."
وممولونا الحاليون هم مزيج من المكاتب العائلية والجهات المانحة من القطاع الخاص. ولقد كانت رحلة جمع التبرعات شاقة. ولم أتمكن حتى الآن من الحصول على مانحين في هذه المنطقة. ومن المثير للاهتمام هو أن الكثير من المانحين الخليجيين الذين تحدثت إليهم قالوا إنهم سيكونون سعداء بالاستثمار إذا كانت هناك عوائد مرتفعة، حوالي 10-15 في المئة، وإلا فإنهم سيقدمون الأموال كصدقة. ولا يبدو أنهم قادرون على تصور الموقع الوسط الذي أعمل فيه.
وأود أن أقول إن الجيل القادم أكثر انفتاحاً على الاستثمار المؤثر، ولديهم دوافع كبيرة لرؤية أموالهم تصبح ذات قيمة، وأن المشاريع تتبع مؤشرات الأداء الرئيسية؛ ولكن بشكل عام، في الشرق الأوسط، لا يزال هذا النوع من التمويل ناشئاً.
وقد لا يمكنك فرض وتيرة السوق، ولكن يمكنك مساعدته على التغيير، وهذا ما آمل أن يفعله صندوق «راما إمباكت».
وإذا أردنا بناء مجتمعات مرنة واقتصادات شمولية، فإنه يجب علينا أن نستثمر في الأشخاص الذين يحلون المشكلات من الداخل. ويقوم رواد الأعمال الاجتماعيون—وخاصة النساء—بخلق فرص عمل، وحماية البيئة، وانتشال الآخرين من براثن الفقر؛ ويقدمون قدوة للأجيال القادمة. ولكنهم يتعرضون للضغط من الفوائد المرتفعة وعدم الوصول إلى رأس المال.
ولسنا بحاجة إلى مزيد من الإغاثات. نحن بحاجة إلى المزيد من الوكالة. نحن بحاجة إلى تمويل المستقبل. وسواء أكنت مانحاً أو مستثمراً أو صانع سياسات، فإنني أدعوك إلى إعادة التفكير في كيفية توزيع رأس مالك.
ودعونا ننتقل إلى ما هو أبعد من العمل الخيري، ونحو تمويل تحفيزي صبور يُمكّن النساء من قيادة التغيير—وفقاً لشروطهن.