تشغل ريما مسمار منصب المديرة التنفيذية للصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) منذ عام 2016، وهذا بعد انضمامها إلى المنظمة كمديرة لبرنامج الأفلام قبل خمس سنوات. ولقد درست فنون الاتصال في الجامعة اللبنانية الأمريكية (LAU) في بيروت، وعملت كناقدة سينمائية ومنتجة تلفزيونية وصانعة أفلام وثائقية مع مجموعة من القنوات الإقليمية بما في ذلك قناتي العربية والجزيرة.
تم إطلاق الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) منذ 18 عاماً بهدف دعم الفنانين المستقلين والمؤسسات الثقافية التي تُشكّل سرديات العالم العربي والاستثمار فيها.
وما بدأ كصندوق متواضع فلقد تنامى من بعدها ليصبح أكبر مزود لمنح الفنون والثقافة في المنطقة، ومنصة حيوية عربية لكل من التنمية الثقافية والسرد القصصي المستقل والتضامن الفني.
وبالعمل في 22 دولة ناطقة باللغة العربية، فإننا قد قدمنا أكثر من 2,200 منحة، وجمعنا 70 مليون دولار أمريكي لدعم الأفراد والمؤسسات في مجالات السينما، والأدب، والموسيقى، والفنون البصرية، والفنون الأدائية، والبرامج الثقافية.
ولقد حقق الحائزون على منحنا على تقدير في مهرجان «كان» السينمائي، وعُرضت أعمالهم في مهرجان «صندانس» السينمائي، وحصلوا على جوائز من قِبَل مسابقة «صور الصحافة العالمية».
وبالرغم من ذلك، كانت نسبة تمويلنا من المانحين العرب في عام 2024 هي 2.5 في المئة فقط — مما يسلط الضوء على التحدي العميق والمستمر في صميم العمل الخيري الثقافي بمنطقتنا.
وحتى في ذروتنا التاريخية، فإن المساهمات العربية مثلت بالكاد 6.5 في المئة، تاركةً معظم دعمنا ليأتي من مؤسسات أوروبية ودولية. ولقد وقفت تلك الجهات الممولة بسخاء إلى جانبنا — عاماً بعد عام — وهم شهود على الأثر الذي نحدثه في جميع أنحاء المنطقة.
ومع ذلك، ورغم استمرار هؤلاء المانحين في تحمل عبء تمويل فنوننا وثقافتنا الإقليمية، فإنه لا يمكننا تجاهل حقيقة أن لهذا الخلل تداعيات خطيرة على مستقبل الفنون والثقافة العربية في منطقتنا ككل.
"عندما نتحدث عن الاستثمار في الثقافة، فإننا لا نتحدث عن عمل خيري؛ بل نتحدث عن عمل استراتيجي. الثقافة تُشكل الخيال؛ إنها تُحدد نوع المستقبل الذي نؤمن بإمكانيته؛ إنها تحافظ على الذاكرة وتُقاوم المحو؛ إنها تُقاوم، وتستعيد، وتُعيد البناء."
عندما بدأنا في عام 2007، كان قطاع الثقافة في المنطقة مجزأ ويعاني من نقص التمويل، مع قلة وجود موارد متاحة لمن يسعون إلى التعبير عن واقعنا الجماعي، أو التساؤل عنه، أو أرشفته، أو الاحتفال به.
وإذا تقدمنا سريعاً إلى يومنا هذا، فإننا نجد منظمة «آفاق» قد أحدثت تحويل في حياة الناس، والمسارات المهنية، والمجتمعات المحلية عبر جميع أنحاء العالم العربي.
وإننا نمثل أكثر من مجرد مؤسسة لتقديم المنح؛ إذ منصتنا هي ساحة التقاء للتعاون عبر الحدود، وهي مستودع للذاكرة الثقافية، وبوابة لمجتمعات الشتات التي تسعى إلى إعادة الارتباط مع جذورها.
كما تعمل منظمة «آفاق» كوسيلة لخروج الفنانين العرب من الظلال، بحيث يمكن رؤيتهم وسماعهم، ويمكن لهم سرد تجاربنا الجماعية بحسب شروطهم الخاصة.
ومع ذلك، على الرغم من امتدادنا الإقليمي والاعتراف المتزايد بنا، فإننا لا نزال نواجه ثغرةً حرجةً: وهي محدودية الدعم العربي للفنون والثقافة العربية.
عندما نتحدث عن الاستثمار في الثقافة، فإننا لا نتحدث عن عمل خيري؛ بل نتحدث عن عمل استراتيجي. الثقافة تُشكل الخيال؛ إنها تُحدد نوع المستقبل الذي نؤمن بإمكانيته؛ إنها تحافظ على الذاكرة وتُقاوم المحو؛ إنها تُقاوم، وتستعيد، وتُعيد البناء.
الحائزون على منح منظمة «آفاق» قد أخذوا مشاريعهم إلى الساحات الدولية، وتحصلوا على تكريم مرموق في مجالات السينما والفن والأفلام الوثائقية والموسيقى، وهو انعكاس للإمكانات الموجودة في العالم العربي، ولأهمية مشاطرة وجهات نظر غير مُفلترة وغير خاضعة لرقابة قادرة على المساهمة في سردنا الجماعي

علي طلعت أدوات من أجل الغد (2023)
وبدون استثمار إقليمي أعمق في رواة القصص لدينا، فإننا نخاطر بترك سردنا الثقافي ليتم تشكيله في أماكن أخرى، أو تخفيفه، أو تحريفه، أو تجاهله تماماً.
إن دعم الفنانين العرب ليس ترفاً؛ إنها ضرورة مُلحة. وفي منطقة تُصارع النزوح والنزاع وصراعات الهوية والتحولات السريعة، فإن الفنانين ليسوا مجرد مبدعين؛ إذ هم فاعلون مدنيون، وكُتاب مذكرات، ومؤرخون، وأصحاب رؤى.
إنهم يوثقون ما قد يتم نسيانه لولا ذلك؛ إنهم يُساعدوننا على استيعاب ما لا يُمكن التحدث به؛ إنهم يعطون صوتاً لمنطقةٍ في حالة تغيّر مستمر.
ولذا، فالسؤال هو: لماذا كان نمو الدعم الخيري للفنون في العالم العربي متباطئاً؟
يعود جزء من الجواب إلى ما يتعلق بالأولويات؛ إذ نظراً لحجم الاحتياجات الإنسانية في منطقتنا — من الصحة إلى التعليم إلى دعم اللاجئين — فإن الفنون والثقافة غالباً ما تبدو أقل أهمية. ولكن هذه ازدواجية زائفة: فالثقافة ليست منفصلة عن التنمية؛ بل هي جزء لا يتجزأ منها. والاستثمار في الثقافة إنما يدعم كل من الصحة العقلية، والمشاركة المدنية، والتماسك الاجتماعي، والمرونة على المدى الطويل.
ولكننا أيضاً نشهد تحولاً في الكيفية التي يتم بها ممارسة العمل الخيري في المنطقة؛ فاليوم، تستثمر الجهات المانحة في البنية التحتية الثقافية، والمتاحف، وحفظ التراث، وتطوير الأفلام.
إن المملكة العربية السعودية تقوم ببناء مناطق ثقافية كاملة، واستضافة مهرجانات دولية، بما في ذلك معالم جذب ضخمة مثل مهرجان «البحر الأحمر» السينمائي وموسم «الرياض»، مما يعني استيراد أشكال ترفيهية عالمية إلى المملكة. وقد استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة بكثافة في المعارض الثقافية العالمية، ولا سيما من خلال متحف «اللوفر» أبو ظبي، وهو رمز للدبلوماسية الثقافية التي تجلب مؤسسة غربية إلى سياق عربي. وتعمل دولة قطر على توسيع شبكة المتاحف ومبادرات الفن العام، ووضعت تمركزاً لمكانتها على خارطة الفن العالمية باستضافة «آرت بازل» في الدوحة.
هذه كلها استثمارات ذات مغزى، وتشير إلى أن حكومات الخليج ترى بشكل متزايد أن الثقافة هي محورية للهوية الوطنية، وللتمركز العالمي، وللتنويع الاقتصادي. ومع ذلك، فإنهم يجلبون في المقام الأول نماذج وتجارب مثبتة من خارج المنطقة، بدلاً من ضخ مبادرات جديدة تتمحور حول الثقافة ويتم إنشاؤها من داخل المنطقة نفسها. بالمقابل، يجب توسيع العمل الخيري الثقافي رفيع المستوى ليشمل الفنانين الشعبيين، والمؤسسات المستقلة، وتنوع الأصوات الإقليمية التي تُشكّل سردنا الجماعي.

استثمرت دولة الإمارات بشكل كبير في العروض الثقافية العالمية، وأبرزها متحف اللوفر أبوظبي، الذي يُعد رمزًا للدبلوماسية الثقافية من خلال جلب مؤسسة غربية إلى سياق عربي. الصورة: نزار سكالاتسكي، Unsplash.
بكل أحقية، تسعي الجهات المانحة إلى تأمين أثر أكبر، وحوكمة أقوى، ونماذج تعاونية أكثر. وفي منظمة «آفاق»، فإننا نُرحّب بهذه النقلة؛ إذ إننا نلزم أنفسنا بأعلى معايير الشفافية والمساءلة. وتحظي عمليات التقديم للمنح وإجراءات لجنة التحكيم لدينا بالصرامة والشمولية واحترام واسع النطاق. ولا ننظر إلى الحائزين على منحنا كمتلقّين، بل كشركاء؛ كما إننا ندري أن التمويل المرن وغير المُقيّد يُمكّنهم من المضيّ قدماً وبسرعة أكبر.
إن هذا العصر الجديد من العمل الخيري، والمتجذر في التعاون الاستراتيجي وتبادل المعرفة المحلية، هو بالضبط المكان الذي يجب أن يزدهر فيه التمويل الثقافي. ومجال الفنون والثقافة يقدم واحد من أوضح عوائد الاستثمار: الهوية، والكرامة، والإرث. وإذا لم نمول ما يخصنا، فمن سيفعل؟
وعلى مدار تاريخنا الطويل، رأينا بشكل مباشر كيف يُمكن حتى للاستثمارات المتواضعة أن تُطلق العنان لإمكانات هائلة. فإن المنحة التي تمول فيلماً أو معرضاً فنياً لأول مرة قد تؤدي إلى إطلاق مسيرة مهنية تُعيد تشكيل الطريقة التي ينظر بها جيل بأكمله إلى نفسه. كما يُمكن لمشروع بحثي مدعوم اليوم أن يصبح يوم الغد مقترحاً لسياسة ما، أو أرشيفاً عاماً، أو منهجاً دراسياً.
في العالم العربي، إننا لا نفتقر إلى المواهب، ولا نفتقر إلى الرؤية؛ بل إن ما نفتقر إليه هو دعم استراتيجي مُُستدام من داخل مجتمعاتنا.
وإلى كل مانح ومؤسسة وفرد وقفوا إلى جانبنا: نقول لكم شكراً. وإلى كل من يتطلع لإحداث فرق، اعلموا أن الاستثمار في منظمة «آفاق» يعني الاستثمار في مستقبل نألفه بأنفسنا ولأجل أنفسنا. وهذا يعني الإيمان بأن أصوات الفنانين العرب مهمة، لكل من المنطقة والعالم.
ومهمة المنظمة لا تزال واضحة بعد ما يقرب عقدين من الزمن؛ وسنواصل في مناصرة الفنانين الذين يوثقّون ويتخيلون ويعيدون تعريف الثقافة العربية. ولكن لا يمكننا أن نفعل ذلك بمفردنا؛ لقد حان الوقت للعمل الخيري الثقافي في العالم العربي أن يتصدى لدوره بطريقة جريئة وسخية وهادفة.
دعونا لا نسمح لإرثنا الثقافي بأن يصبح مجرد فكرة ثانوية. ودعونا نجعلها أولويتنا المشتركة. ودعونا نجعلها ما يربطنا ويشفينا ويدفعنا إلى الأمام معاً. إن البنية التحتية موجودة، والموهبة موجودة، وكل ما ينقصنا هو الإيمان والاستثمار الجريء.