الاستثمار من أجل مستقبل أفضل

رائدة العطاء صوفي ماربل تشرح لماذا تخصص جزءاً كبيراً من أموالها للقضايا المتعلقة بالمناخ

00341027 (1) (1)

صوفي ماربل هي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمؤسسة ’غوير سيتريت‘ الخيرية Gower Street، وهي صندوق استئماني عائلي يقع مقره في المملكة المتحدة ويركّز على المبادرات في مجالي التعليم والمناخ. وفي عام 2020، أطلقت صوفي ’إيمبيشنس إيرث‘Impatience Earth، وهي مؤسسة استشارية تقدم نصائح مجانية للأفراد والصناديق والمؤسسات الخيرية والشركات التي تتطلع لتقديم تبرعات خيرية في مجال المناخ. وصوفي هي أيضاً أحد مؤسسي شبكة الأمهات من أجل العمل المناخي (Mothers CAN).

الصورة: سيمون تاونزلي/ بانوس بيكتشرز.

عندما بدأنا أنا وزوجي رحلتنا في العطاء والعمل الخيري، اخترنا التركيز على التعليم. وفضلاً عن تقديم الأموال للجمعيات الخيرية المحلية بالقرب من منزلنا في لندن، قدمنا ​​أيضاً تبرعاتٍ لبعض المنظمات غير الحكومية الدولية الكبرى العاملة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومع مرور الوقت تحولنا للعمل في غانا فقط، فهي مكان عرفناه وفهمناه جيداً، وانتقلنا من تقديم التبرعات من القمة إلى القاعدة إلى إعطاء الأولوية للتغيير على مستوى الأنظمة الذي تقوده المنظمات الشعبية الأصغر حجماً.

وفي عام 2018، أي بعد أكثر من عقد بقليل على إطلاق مؤسستنا الخيرية ’غوير ستريت‘ Gower Street، قمنا بمراجعة استراتيجيتنا مع أحد مستشارينا الذي أرسل إلينا بعض المنشورات حول تغير المناخ. ولأن تغير المناخ هو أكبر أزمة تواجه البشرية، كنا نظن أن مليارات الدولارات تضخ بالتأكيد من قبل الحكومات والشركات ورواد العطاء من أجل التصدي لهذه القضية. غير أنني أصبت بالذهول عندما علمت أن الواقع غير ذلك، إذ لا يذهب سوى أقل من 2 بالمئة من التمويل الخيري العالمي لجهود التخفيف من آثار تغير المناخ، وفقاً لتقرير صدر عام 2021 عن مؤسسة ’كلايمت وركس الخيرية‘ ClimateWorks التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها.

في ذلك الوقت، بدأت أزمة المناخ تكتسب زخماً في وسائل الإعلام بسبب أحداث مثل صدور تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، وفي المملكة المتحدة، أخذت أصوات مجموعات الاحتجاج كحركة "تمرد ضد الانقراض" تتعالى. مع ذلك، وعلى الرغم من تزايد مستويات الوعي، إلا أن التمويل في هذا المجال بقي منخفضاً بشكل غير مفهوم.

لطالما اعتبرنا أنفسنا متبرعين لقطاع التعليم، ولم يكن المناخ شاغلنا المباشر. لكن فجأة، بدأت الحدود الفاصلة تتسم بالضبابية وعدم الوضوح، وأصبح التصدي لتغير المناخ مسألة شخصية للغاية بالنسبة لي لأنني استطعت توقع تأثير أزمة المناخ على مستقبل ابنتي والفتيات الأخريات اللواتي نقدم لهن الدعم في غانا.

لقد بات واضحاً بالنسبة لنا أننا إن لم نبدأ في التصدي لحالة الطوارئ المناخية الآن، فإن أي مكاسب تنموية قد نحصل عليها من خلال أعمالنا الخيرية سوف تتآكل في أحسن الأحوال ولن تعود مهمة على الأرجح في نهاية المطاف.

بدأنا نشعر بشدة أنه لم يعد بإمكاننا ترك أزمة المناخ للعلماء وصانعي السياسات، بل يتعين علينا، بصفتنا رواد عطاء، أن نبذل المزيد من الجهود. فاتخذنا القرار بتوجيه الجزء الأكبر من مواردنا للتصدي لتغير المناخ والاستفادة من المكوّن السري لرأس المال الخيري وهو القدرة على تحمل المخاطر وتحفيز الاستثمارات الجديدة.

"الحقيقة هي أننا عندما نخسر المعركة ضد تغير المناخ، فإننا نخسر كل معركة أخرى أيضاً".
Shutterstock 1764130496

يسبب تغير المناخ فيضانات متكررة بانتظام في أجزاء كثيرة من العالم، مما يعطل الحياة ويؤثر على سبل العيش. الصورة: شاترستوك.

وعلى مر السنين خلال عملنا في مؤسسة ’غوير ستريت‘ الخيرية، استخدمنا رأس المال الخيري لدعم المنظمات والمشاريع في مراحلها الأولية والانتقال بها إلى مرحلة تمكنها من جذب تمويل أكبر على المدى الطويل من الحكومات والمؤسسات الخيرية العالمية وغيرها من المؤسسات.

يمكن لرأس المال الخيري أن يتحلى بالجرأة والشجاعة وأن يمّول المبادرات والأفكار التي لا تستطيع المؤسسات المساءلة أمام الجمهور أو المساهمين تنفيذها بسبب عوامل المخاطرة. وعلى الطرف الآخر من الطيف، يشكل رأس المال الخيري دعماً فريداً من نوعه ويلعب دوراً حاسماً في سد الفجوات وتوفير الأفكار التمويلية التي تعتبر أساسية لتعزيز المنظمات كدعم القدرات والبنى التحتية الأخرى.

ويمكن للعمل الخيري من أجل المناخ إنقاذ عالمنا بكل معنى الكلمة، ولا يجب عليك البحث بعيداً من أجل العثور على حلول جديدة ومثيرة لتقليل الانبعاثات الكربونية وحماية الموارد الطبيعية الثمينة.

نقوم في ’غوير ستريت‘ بتمويل الجهود التي تركّز على إبقاء الوقود الأحفوري في الأرض. وندعم بشكل خاص الأعمال السردية والحراك الاجتماعي لأنهما مطلوبان بشدة لكنهما يعانيان من نقص التمويل. ولذلك نقوم بتمويل منظمات مثل ’أونرود ميديا‘ Onroad media و’بريث‘ Breathe و’أبليفت‘ Uplift و’غرين نيو ديل‘ Green New Deal  و’تيتش ذا فيوتشر‘ Teach the Future وشبكة الزراعة الصديقة للبيئة NatureFriendly Farming Network . وأكملنا مؤخراً مشروعاً شاملاً لتحديد المنظمات المهتمة بقضايا المناخ على مستوى القواعد الشعبية في غانا. وقمنا كذلك بتعيين لجنة توجيهية غانية لوضع استراتيجية للتمويل – لا سيما أنهم خبراء في هذا المجال – وقدمنا تمويلاً أولياً لـ 15 منظمة وفقاً لتوصيات اللجنة.

نود جميعاً أن نترك عالماً صحياً وصالحاً للعيش ومزدهراً بيئياً للأجيال القادمة. من هنا فإن تقديم رأس المال في الوقت المناسب للعقول النيرة القادرة على ابتكار حلول للتصدي لأزمة المناخ يمكن أن يحسّن بشكل كبير فرصنا في ترك إرث إيجابي.

لهذا السبب، قدمت في عام 2020 تمويلاً أولياً لتأسيس ’إيمبيشنس إيرث‘ Impatience Earth، وهو فريق من المتخصصين في مجال المناخ والعمل الخيري يعملون دون مقابل لتثقيف أصحاب الثروات وإلهامهم وتقديم الدعم لهم من أجل اتخاذ قرارات تمويلية مؤثرة للتصدي لحالة الطوارئ المناخية.

والحقيقة هي أننا عندما نخسر المعركة ضد تغير المناخ، فإننا نخسر كل معركة أخرى أيضاً - سواء كانت في مجال التعليم أو الصحة أو سُبل العيش أو الفنون. فكل قضية تحصل على الدعم من التمويل الخيري ستتفاقم بسبب أزمة المناخ. ولا يعني أن تصبح ممولاً فعالاً لقضايا المناخ ابتعادك عن مجالات التمويل التي تهمك حقاً، فهناك الكثير من فرص التمويل الرائعة عند تقاطع المناخ مع أي مجال مواضيعي آخر.

عندما اسأل عن عملية تقديم المنح التي أقوم بها فإنني غالباً ما أقول أن تمويل مبادرات التصدي لتغير المناخ ربما يكون مختلفاً عن تمويل العمل الخيري التقليدي. وبينما يتم النظر إلى العمل الخيري على أنه يدعم في أغلب الأحيان أناساً في ظروف مختلفة عن ظروفنا، يقدم التمويل من أجل المناخ الدعم للعالم ككل.

سوف نتأثر جميعاً بتغير المناخ، وسوف نستفيد جميعاً لدى تقديم الدعم للحلول التي تساعد في التخفيف من هذه الأزمة. إن الأمر يعود لنا كرواد عطاء لبذل المزيد من الجهود في وقت لازلنا قادرين فيه على القيام بذلك.