التحلي بالشفافية وقوة البيانات

نائلة الفاروقي، الرئيسة التنفيذية لملتقى المؤسسات العربية الداعمة تدعو لرفع مستوى الوعي حول أهمية البيانات وقيمتها وتأثيرها والشفافية في العمل الخيري العربي

Mymind Xulsf9lyevk Unsplash

نائلة الفاروقي هي الرئيسة التنفيذية لملتقى المؤسسات العربية الداعمة Arab Foundations Forum، وهي رابطة قائمة على العضوية للمؤسسات والجهات المانحة والمنظمة الوحيدة من نوعها التي تمثل المانحين والممولين والجهات الفاعلة من قطاع العمل الخيري في المنطقة العربية وتعمل على خدمتهم.

تقوم المؤسسات الخيرية في جميع أنحاء المنطقة العربية بعمل رائع لتمويل البرامج المبتكرة في العديد من المجالات كالتعليم والرعاية الصحية وتمكين الشباب، فضلاً عن توفير الدعم الإنساني المنقذ للحياة للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه.

غير أنه بعيداً عن عناوين الأخبار والتقارير غير الرسمية، لا يزال من الصعوبة بمكان معرفة الجهات والمجالات التي يموّلها الناس بالضبط وتحديد الأثر الملموس لاستثماراتهم والأماكن التي لا تزال فجوات التمويل والاحتياجات فيها قائمة.

ويعزى ذلك إلى الغياب الشديد الوضوح للبيانات المفيدة حول العطاء والأعمال الخيرية في المنطقة العربية وثقافة انعدام الشفافية الراسخة في أوساط الجهات المانحة والمنظمات العاملة في القطاع غير الربحي.

وقد كان اكتشاف ذلك أمراً صعباً للغاية حين توليت منصب الرئيسة التنفيذية لملتقى المؤسسات العربية الداعمة Arab Foundations Forum في عام 2014. ولأنني كنت حينها حديثة العهد بقطاع العمل الخيري وبعد 17 عاماً من العيش بعيداً عن المنطقة، بدأت بتثقيف نفسي حول بيئة العطاء فيها.

وبينما صدرت مجموعة من التقارير والبحوث النوعية حول العمل الخيري في العالم العربي - والمبادرات الجديدة مثل دليل سيركل، وهو قاعدة بيانات للمؤسسات الإقليمية والمنظمات غير الربحية والمؤسسات الاجتماعية - لا يزال هناك نقص حقيقي في البيانات المثبتة.

وعندما بدأت في التواصل مع أعضاء ملتقى المؤسسات العربية الداعمة من أجل فهم احتياجاتهم والتحديات التي يواجهونها في بداية فترة عملي، تحدث الجميع تقريباً عن الرغبة في الحصول على المزيد من البيانات ليتمكنوا من التمتع بفهم أكبر لما يقوم به أقرانهم والتعرّف بشكل أفضل على البيئة الأوسع التي يعملون بها.

لكن بمجرد أن يتحول الحديث نحو مسألة الشفافية والمساءلة، كنت أقابل في أغلب الأحيان بمقاومة، حتى أن البعض كان يعبّر عن عدم استعداده لتطبيق مثل "هذه المعايير والتوقعات الغربية" على منطقتنا.

وعلى الرغم من أن معظم الأعضاء اعتبروا الشفافية والمساءلة قيمتين أساسيتين لا بد من احترامهما، كانوا مترددين في تطبيق المعايير العالمية على أعمالهم. وقد كشف المزيد من البحث في هذه المسألة عن بعض الأسباب الأكثر تفصيلاً وراء هذه المقاومة - وتبين أن العقبات تتسم بالتعقيد.

أولاً، هناك افتقار للحوافز التي تشجع على الشفافية، وفي بعض الحالات حتى المخاطر المترتبة على الشفافية تخضع للتدقيق من بعض حكومات المنطقة. ثانياً، يولي الإسلام (الدين السائد في المنطقة) أهمية شديدة للعطاء والعمل الخيري الذي يتم في الخفاء، وهو تناقض مباشر مع تعريف الشمال العالمي للمساءلة والشفافية الذي يعتبره البعض خارجاً عن سياق المنطقة.

وعلى الرغم من أنها شواغل مشروعة، إلا أنني على يقين بأن الفوائد المترتبة على تبني مستويات أعلى من الشفافية ومشاركة البيانات تفوق بكثير أي سلبيات، وفي ملتقى المؤسسات العربية الداعمة نحن ملتزمون بإيجاد طرق لتسهيل مشاركة البيانات مع احترام الفوارق الدقيقة ذات الصلة بالسياق في المنطقة.

"البيانات هي في صميم هذه التحديات وتلعب دوراً حاسماً في التصدي لها".

ولهذا السبب أطلقنا بالشراكة مع شركة الاستشارات الاستراتيجية ’دالبيرغ أدفايزرز‘ Dalberg Advisors استطلاعاً شاملاً وعلى مستوى المنطقة للبيانات في محاولة لتشجيع الجهات الفاعلة في قطاع العمل الخيري والتنمية على مشاركة المعلومات المهمة حول أعمالها كي نتمكن من توظيف هذه البيانات في الاستفادة قوتنا الجماعية كشبكة ومنظومة.

قمنا في البداية بإطلاق الجولة الأولى من دراستنا الاستقصائية في أوائل عام 2021، وأرسلنا الاستطلاع إلى نحو 105 مؤسسات في 19 دولة في جميع أنحاء المنطقة (مزيج من أعضاء ملتقى المؤسسات العربية الداعمة وشبكة أوسع نطاقاً) وكانت الاستجابة، كما كنا نتوقع، بطيئة وضئيلة، لذلك بدأنا الآن بالجولةً الثانيةً.

ولرفع الوعي حول الحاجة إلى البيانات وقيمتها وتأثيرها على القطاع – فضلاً عن إنشاء سجل مستمر للبيانات المتعلقة بالعمل الخيري في المنطقة العربية - عقدنا شراكة مع مركز العمل الخيري الاستراتيجي Centre for Strategic Philanthropy (CSP) في جامعة كامبريدج وزمن العطاء، المصدر الرئيسي للأخبار والتحليلات حول العطاء والعمل الخيري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد كشفت الإجابات التي حصلنا عليها حتى الآن عن بعض الأفكار المهمة حول القطاع وقدمت لنا لمحة مثيرة للاهتمام عن نوع المعلومات القيّمة التي نأمل في جمعها خلال سعينا للتوسع في الوصول إلى شبكة أوسع نطاقاً.

ويتمثل هدفنا من هذه المبادرة في جمع أكبر قدر ممكن من البيانات لدعم تكوين بيئة محلية للعطاء تتميز بمستوىً أعلى من الاحترافية والتجاوب والتأثير، وتطوير مجموعة بيانات في نهاية المطاف تكون بمثابة خط الأساس الذي يمكننا البناء عليه عاماً تلو الآخر.

تواجه المنطقة العربية تحديات متعددة بما في ذلك النزاعات وتفاقم مستويات انعدام المساواة وارتفاع معدلات البطالة، كما تتأثر بشكل كبير بالعوامل العالمية كتغير المناخ ونقص الغذاء.

كما يوجد لدينا أيضاً تضخّم في عدد الشباب، إذ أن هذه الفئة تمثل نحو 50 بالمئة من سكان المنطقة. ويحظى العطاء بمكانة فريدة تمكنه من دعم وإشراك الشباب العربي من أجل إعداد كادر من قادة المستقبل القادرين على تقديم مساهمات إيجابية وفعّالة في مجتمعاتنا ودعم الجهود الأوسع نطاقاً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

والبيانات هي في صميم هذه التحديات وتلعب دوراً حاسماً في التصدي لها. فباستخدام البيانات يمكننا إظهار الأثر الذي نحققه سوياً كقطاع. وباستخدام البيانات نستطيع تحديد خط أساس الذي يمكننا من قياس التقدم وتحديد الثغرات وتكوين سرد مع مرور الوقت يسمح لنا بالاستعداد بشكل استراتيجي للتحديات المستقبلية. وباستخدام البيانات أيضاً، يمكننا تحسين فعالية قطاعنا من خلال تسليط الضوء على الجهود التي نقوم بها وعلى كيفية قيامنا بها وكيفية القيام بها بشكل أفضل.

 

بعض الأفكار الرئيسية التي قمنا باستخلاصها حتى الآن:

  • تم تحديد التعليم والشباب على أنهما أهم المجالات ذات الأولوية، في حين تم تصنيف الدين كأدنى الأولويات.
  • أفادت المنظمات التي شملها الاستطلاع أن 70-85 بالمئة من نفقاتها تصرف على البرامج وليس على التكاليف الإدارية.
  • عندما طُلب من المجيبين تحديد المجالين الأكثر نمواً أو تطوراً بالنسبة لمنظمتهم خلال العامين المقبلين، كانت الإجابة الأكثر شيوعاً هي "توسيع مصادر الدخل أو تعزيز استدامتها".
  • أفادت المنظمات أن اهتمامها الأكبر هو توسيع الشراكات مع الشركات والوكالات المتعددة الأطراف والأقل هو توسيع الشراكات مع المؤسسات المالية.
  • أفادت جميع المنظمات التي يوجد لديها مجلس للإدارة أن لديها مديرة واحدة على الأقل، وذكرت مؤسسة واحدة فقط أن النساء يشكلن غالبية مجلس إدارتها وحققت منظمتان فقط تكافؤاً بين الجنسين بينما ضمت معظم مجالس الإدارة عضوة واحدة فقط.

تشمل الأفكار الأخرى ذات الصلة بكوفيد-19 ما يلي:

  • تمثلت بعض أكبر الصعوبات خلال الجائحة في الحفاظ على سلامة الموظفين الداخليين، وتزايد طلبات الحصول على التمويل، وصعوبات التنبؤ بالسيناريوهات المستقبلية.
  • قامت معظم المنظمات بتكييف سياساتها تجاه المستفيدين الحاليين من المنح (على سبيل المثال، السماح للمستفيدين بإعادة توجيه الأموال لاحتياجات/قضايا جديدة؛ تمديد الجداول الزمنية للمنح أو الصناديق) من أجل الاستجابة لجائحة كوفيد-19.
  • استخدمت غالبية المنظمات 90 بالمئة أو أكثر من ميزانياتها في بلدانها الأصلية.
  • عندما طُلب من المنظمات المتعددة الجنسيات تحديد التحديات المتعلقة باللوائح، أشارت إلى صعوبات التعامل مع بيئات التنظيم المختلفة في كل دولة من الدول التي تعمل فيها.
  • يوجد لدى معظم مجالس الإدارة وليس جميعها بيانات مكتوبة تحدد مسؤوليات مجلس الإدارة ومدونات مكتوبة لقواعد السلوك لأعضاء مجلس الإدارة.
  • لا يتم تقييم معظم المجالس من قبل جهة خارجية بشكل منتظم.

اضغط هنا للمشاركة في استطلاع ملتقى المؤسسات العربية الداعمة.