الطاقة والحماس لا يكفيان للتصدي لأزمة المناخ

الدكتورة ناتاشا ماتيك، الخبيرة في استراتيجيات مجال العمل الخيري والاستدامة تحث الشركات والحكومات على تجاوز تقديم الوعود فقط واتخاذ خطوات ملموسة من أجل البيئة

Shutterstock 1208489875 2

الدكتورة نتاشا ماتيك هي المديرة التنفيذية لمسرّع المساءلة التابع لتحالف المشاعات العالمية Global Commons Alliance. يتعاون المسرّع مع الأطراف المعنية على الصعيد العالمي حيث يوفر المنح والأدوات لتشجيع الشركات على اتخاذ الإجراءات اللازمة فضلاً عن مساءلتها عن الالتزامات التي قطعتها من أجل الحفاظ على الطبيعة والمناخ، باستخدام أهداف متوائمة مع العلم. وقد شغلت ماتيك في السابق منصب نائب الرئيس التنفيذي ورئيسة الشؤون الاستراتيجية في مؤسسة الملك خالد في المملكة العربية السعودية.

لا تتمتع المساءلة "بالسحر والجاذبية" ولا يمكنها لفت الأنظار لالتقاط صور ملهمة لها، فهي تتطلب القيام بعمل شاق ودقيق يتناول مواضيع معقدة. مع ذلك، لا زلت أقدر هذا العمل لأنني أرى أنه من دون نظام مساءلة يعمل بشكل جيد فلن نتقدم نحو المستقبل الآمن والمنصف الذي يسعى الكثيرون منا للوصول إليه.

ولن يتم حل المشكلات البيئية المنهجية والواسعة النطاق - كأزمة المناخ وتلوث المياه والهواء والانقراض الجماعي للأنواع - الناتجة عن اقتصاداتنا القائمة على الاستخراج والاستهلاك المفرط، دون مساءلة أكبر للحكومات والشركات عن الأضرار البيئية التي تسببت بها.

وهناك الكثير من أطر العمل والأهداف التي تسعى إلى وقف الأضرار التي أحدثناها وإلى عكسها، لكنها وحدها ليست كافية. ولا يعد الإفصاح عن آثارنا واعتمادنا على الطبيعة أو المناخ كافياً أيضاً.

فنحن بحاجة إلى شبكة مترابطة جداً من الجهات الفاعلة في مجال المساءلة للعمل معاً لمن أجل التوصل إلى حل شامل قائم على الدعم وممارسة الضغط.

أشعر بموجة ضخمة من الحماس والإثارة التي بطريقة ما بدأت أخيراً بتغيير الاتجاه نحو نوع مختلف من الرأسمالية عما كان لدينا في الماضي. ولست وحدي من يشعر بهذه الموجة.

من الصعب جداً العثور على رئيس تنفيذي أو مستثمر كبير لا يتشدق بفكرة أن شركتهم يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق هدف واحد على الأقل من أهداف التنمية المستدامة إلى جانب تحقيق أرباحها المعتادة.

والشركات تدرك إلى حد كبير الحاجة إلى دعم العاملين لديها والاهتمام بالبيئة التي تعمل فيها (لا سيما سلاسل التوريد الخاصة بها) للحفاظ على استمرار الأعمال.

لكن الفكرة الأساسية هنا هي القيام بذلك "بوسائل مبتكرة".

"لا ينبغي أن تكون المساءلة كلمة ذات دلالة سيئة تخشاها الشركات وتتجنبها".

وهناك حدود للطاقة والحماس بشأن ذلك لأن هذه "الوسائل مبتكرة" تتطلب جيشاً من "مناصري المساءلة" الذين يستخدمون مجموعة متنوعة من الأدوات والنُهج لإحداث التغيير: من البيانات والمعايير إلى التمويل والحملات والتكنولوجيا، فضلاً عن القوانين والأنظمة.

وتلك "الوسائل المبتكرة" هي المساءلة: أي مساءلة الشركات - والحكومات - على الوعود التي قطعتها. لا يجب أن تكون المساءلة عبارة عن إلقاء اللوم على الشركات بينما تحاول التوفيق بين عدد لا يحصى من مطالب الاستدامة المتنافسة. فالموضوع ليس توجيه الاتهامات واللوم، حيث لا ينبغي أن تكون المساءلة كلمة ذات دلالة سيئة تخشاها الشركات وتتجنبها.

إن المساءلة تتعلق بالتحفيز والحشد والدعم وتعزيز الوعي وبناء القدرات وتحديد المؤشرات الأساسية والرصد والإبلاغ والتحقق والإفصاح. إنها تتعلق بدعم الشركات في رحلة الاستدامة الخاصة بها.

وكلما تمكنا من التركيز على "الجزرات" قل عدد "العصي" التي نحتاج إلى التلويح بها. وكلما زاد فهم الشركات للمخاطر الحقيقية المترتبة على حصول العمال على أجور زهيدة وتلوث مجاري المياه، ازدادت احتمالية تبنيهم لتغييرات ملموسة.

Microsoftteams Image (2) (1)

الأشياء الثلاثة التي نحتاج إليها من أجل نجاح المساءلة

لجعل الشركات أكثر خضوعاً للمساءلة فإننا بحاجة إلى ثلاثة أشياء رئيسية.

أولاً، نحن بحاجة إلى وضع أهداف ومقاييس وأطر عمل وأدوات أخرى واضحة وموحدة يمكننا استخدامها لدعم الشركات وتتبع تقدمها. ولدينا بالفعل الكثير من هذه الأدوات.

ثانياً، نحن بحاجة إلى هيكل متين للمساءلة وجهات فاعلة تطالب باتخاذ إجراءات ملموسة كالبناء على الاستنتاجات المستخلصة من البيانات والأفكار المستمدة من الأطر. والعديد من هياكل المساءلة والجهات الفاعلة موجودة بالفعل ومستعدة للعمل.

تعمل المئات من المنظمات غير الحكومية بالفعل على الصعيد العالمي لضمان وفاء الشركات بالتزاماتها. ويتبادر إلى ذهني هنا الجهات الفاعلة العالمية مثل ’سيريز‘ Ceres والتحالف العالمي للمعايير World Benchmarking Alliance الذي يعمل حالياً على وضع المعايير لحماية الطبيعة. كما أذكر اتخاذ الإجراءات على الصعيد المحلي من قبل المنظمات غير الحكومية مثل ’بروديسك‘ ProDesc في المكسيك، التي تستخدم قوانين حقوق الإنسان لحماية الشعوب الأصلية والبيئة من الإجراءات التي تقوم بها الشركات.

نحن بحاجة للعمل على الصعيد العالمي وعلى مستوى القواعد الشعبية. كما أننا بحاجة أيضاً إلى وضع الاستراتيجيات وتحديد المسارات من أجل ربط الإطار العالمي للتنوع البيولوجي بالعمل على الصعيد المحلي.

ثالثاً، نحن بحاجة لأن تكون جميع هذه الجهات الفاعلة متوائمة وتنسق العمل جيداً فيما بينها، ولذلك نحن بحاجة إلى التمويل. فمن دون توفر الموارد لتعزيز الروابط بين المجموعات المختلفة وتنميتها، لا يمكن أن التوصل إلى نظام المساءلة الفعّال والمترابط الذي نحتاج إليه.

كما أننا نعاني من نقص كبير في التمويل لهذا العمل المهم "الذي يسد هذه الثغرات"، مما يعني أننا لا زلنا نواجه خطر الاستمرار في القيام بالعمل كالمعتاد في الغسل الأخضر [أي تقديم صورة مزيفة عن العمل الصديق للبيئة دون اتخاذ خطوات جوهرية نحو الاستدامة] والتراجع وإلحاق المزيد من الأضرار المدمرة للمشاعات العالمية في وقت نحن في أشد الحاجة إلى القيام بتغيير نوعي.

إن مسرع المساءلة Accountability Accelerator التابع لتحالف المشاعات العالمية Global Commons Alliance هو المنظمة الوحيدة المعنية بتقدم المنح التي تركز بشكل مقصود وكامل على تعزيز الجهود العالمية لمساءلة الأعمال التي تؤثر على الطبيعة ودعمها، بهدف سد الثغرات الموجودة في النظام.

وحتى الآن وبعد أقل من عام، قدم مسرّع المساءلة عشرات المنح لتسريع الإفصاح اتخاذ الخطوات الملموسة، ولدينا قائمة انتظار تضم أكثر من خمسين منظمة تلتمس التمويل وتنتظر الحصول عليه من أجل القيام بهذه الجهود الحاسمة الأهمية.

وتتنوع هذه المنظمات من مجموعات تعمل على وضع أطر عمل لمديري الشركات إلى تلك التي تساعد منظمة محلية في منغوليا في وضع القوانين التي يمكن استخدامها لحماية البيئة ومنظمات التي تعمل على تثقيف المؤثرين الشباب حول النهج العلمي المستخدم لتحديد أهداف قائمة على العلوم للشركات حتى يتمكنوا من إطلاق حملات تستند إلى البيانات على مستوى العالم.

وبينما تعد احتياجات التمويل ضخمة لا تزال مواردنا صغيرة جداً. لذلك في المرة القادمة التي نشكو فيها من ظاهرة الغسل الأخضر، لنتذكر أن هناك بالفعل العديد من الحلول لوضع حد لذلك، لكنها حلول مجزأة وغير متسقة وتعاني في أغلب الأحيان من نقص التمويل. لقد حان الوقت لاتباع نهج الأنظمة.

وبغض النظر عن من نكون أو المكان الذي نعيش فيه، فإننا جميعاً نتشارك في شيء واحد: إنه اعتمادنا على الأنظمة المترابطة التي تحافظ على كوكب مستقر وقادر على الصمود - وهو أمر ضروري لبقائنا على قيد الحياة.

ولضمان مستقبل آمن ومنصف للجميع وتعزيز رفاهية الإنسان وتحقيق اقتصاد عالمي مزدهر، يجب أن نكون أكثر رغبة في الاستثمار في المساءلة. وكما ترون لا تعتبر المساءلة أمراً مملاً على الإطلاق بل إنها الأساس والضمان لجميع أعمالنا.

نشرت هذه المقالة لأول مرة على موقع تحالف المشاعات العالمية Global Commons Alliance هنا.