العمل الخيري من أجل المناخ بعد COP28

نيرا بونيلا وإريكا ميلر من ‘وينغز‘ تدعوان قطاع العمل الخيري لدعم عملية انتقال عادل ومساندة المجتمعات المتضررة

Shutterstock 2079494122

نيرا بونيلا هي منسقة شؤون الاتصال لدى مبادرة ’وينغز‘ WINGS. عملت نيرا مع العديد من المنظمات غير الحكومية في قيادة استراتيجيات الاتصال وتعزيز المشاركة بين مختلف أصحاب المصلحة في المناطق الريفية والحضرية، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية ودرجة الماجستير في البيئة والتنمية والسياسة من جامعة ساسكس.

إريكا ميلر هي منسقة شؤون المناخ لدى مبادرة ’وينغز‘ WINGS. وتشمل خبراتها السابقة العمل مع المنظمات غير الحكومية الدولية وقيادة مبادرات مثل حركة العمل الخيري من أجل المناخ PhilanthropyForClimate في كندا. وإريكا حاصلة على درجة البكالوريوس في التنمية العالمية وتسعى حالياً للحصول على درجة الماجستير في تغير المناخ والتنمية من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية SOAS.

اختُتم مؤتمر الأطراف COP28 باتفاقية مهمة وإن اتسمت بالضعف إلى حد ما. ففي نصها النهائي، اعترفت الأطراف المشاركة "بالحاجة إلى خفض عميق وسريع ومستدام لانبعاثات غازات الدفيئة" ودعت إلى "الانتقال العادل والمنظم والمنصف صوب التخلي عن الوقود الأحفوري في الأنظمة الطاقية".

لكن مما لا شك فيه أن ذلك يمثل إنجازاً كبيراً كونها المرة الأولى التي تذكر فيها اتفاقية لمؤتمر الأطراف صراحة التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري وتوفر مساراً واضحاً للعمل.

ويأتي الدعم الواسع النطاق لهذا التحول بعد سنوات من الدعوة الدؤوبة من قبل منظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية على الخطوط الأمامية. مع ذلك، وكما هو الحال مع اتفاقيات مؤتمر الأطراف السابقة، فإن الاتفاقية الحالية لا ترقى إلى مستوى كافٍ من الطموح.

فعدم الدعوة لاتخاذ إجراء شامل وفوري للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري ــ وهي الصياغة التي عارضها 130 من أصل 198 طرفاً مشاركاً ــ فإن النتيجة تخفق في ضمان مستقبل آمن وعادل للبشرية وكوكب الأرض.

وعلى غرار النصوص النهائية السابقة لاتفاقيات مؤتمر الأطراف، يعد نص مؤتمر الأطراف COP28 مليئاً بالثغرات القانونية ويفتقر لآليات المساءلة الكافية، مما يقلل من أهمية هذا التقدم الهائل. لكن هناك فرصة كبيرة للتحسين وكذلك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به، فنحن نرى في العمل الخيري لاعباً رئيسياً في تسهيل التغييرات الجذرية المطلوبة.

يمكن للعمل الخيري أن يستغل قدراته الفريدة وموقعه الاستراتيجي للمشاركة بنشاط في جميع جوانب عملية مؤتمر الأطراف وتعزيز تنفيذ الإجراءات والسياسات التي تحدث الأثر التحولي اللازم لتحقيق العدالة المناخية.

حضر فريق ’وينغز‘مؤتمر الأطراف COP28 في دبي، وقام بتجميع بعض الأفكار الأساسية حول كيفية مساهمة القطاع الخيري بشكل فعّال في سد الفجوة لتحقيق الأهداف العالمية للحد من تغير المناخ.

إن مؤتمرات الأطراف ليست فعاليات تنعقد لمرة واحدة فقط وإنما لحظات تاريخية نشهدها سنوياً ضمن الإطار الدولي للسياسات المتعلقة بالمناخ. ففي كل مؤتمر من هذه المؤتمرات، يجتمع ممثلون عن الأطراف الـ 198 في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لتقييم التقدم العالمي نحو الهدف الأساسي لاتفاق باريس المتمثل في الحد من ظاهرة الاحترار العالمي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

ونطمح أن يشهد كل عام يمر إنجازات وطموحات متصاعدة. ولا بد أن نؤكد أن للعمل الخيري دوراً يلعبه في دعم هذه العملية من خلال المساهمة في خطط المناخ الوطنية ودعم الوفود المشاركة وتسليط الضوء على الأصوات المتنوعة داخل هذه العملية.

"يمكن للعمل الخيري أن يستغل قدراته الفريدة .... لتعزيز تنفيذ الإجراءات والسياسات التحويلية اللازمة لتحقيق العدالة المناخية".

53368823151 5Fc6106144 K

استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الأطراف COP28 في دبي في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023. الصورة: شاترستوك.

المساهمات المحددة وطنياً (NDCs) هي "الخطط الوطنية للعمل المناخي المصممة لخفض الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ" التي يتعين على الأطراف تقديمها وتحديثها بشكل منتظم.

وبحلول عام 2025، سيتم تكليف البلدان بتقديم نسخ منقحة من مساهماتها المحددة وطنياً تلتزم بالاتفاقيات الأخيرة وتظهر طموحاً أكبر من الإصدارات السابقة. وهنا يمكن للعمل الخيري أن يساعد في المشاورات الخاصة بهذه الجولة الجديدة  من خلال تمويل تنفيذ وصياغة خطط العمل، دعم مجموعات المناصرة التي تمارس الضغط على صانعي السياسات، وتعزيز العمليات الشاملة والتشاركية من خلال تمويل جهود التشاور التي تشمل مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، مع التركيز على آراء المجتمع المدني والمجتمعات في الخطوط الأمامية، ومساعدة الحكومات من خلال تقديم التوجيه الفني والخبرات اللازمة لوضع استراتيجيات متينة.

وعلى نحو مماثل، يمكن للعمل الخيري دعم عملية مؤتمر الأطراف من خلال رعاية المفاوضين والمندوبين من البلدان والمجتمعات المنخفضة التمثيل. فبعض الدول، لا سيما تلك التي تقع على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، تفتقر إلى الموارد اللازمة لإرسال الوفود الرسمية، مما يجعل ممثلي قطاعات الوقود الأحفوري والمصالح التجارية يفوقونهم عدداً في المفاوضات والفعاليات الجانبية.

ففي مؤتمر الأطراف COP28، مُنحت جماعات الضغط لصالح الوقود الأحفوري تصاريح أكثر من جميع وفود الدول العشر الأكثر عرضة لتغير المناخ مجتمعة، وفقاً لما أوردته منظمة ’غلوبال ويتنس‘. لذلك يمكن للعمل الخيري التركيز على تكافؤ الفرص، مما يضمن أن تعكس المشاركة الأشخاص الأكثر تضرراً من الأزمة.

إن المسعى لدمج أصوات جديدة في عملية مؤتمر الأطراف يتطلب اتباع نهج متعدد الجوانب. وفي مؤتمر الأطراف COP28، كان هناك تركيز ملحوظ على الترابط بين تغير المناخ وقضايا التنمية الأخرى مثل الصحة والأمن الغذائي. ولأول مرة، شهدنا تنظيم أيام تركز على مواضيع معينة، لا سيما يوم الصحة ويوم المساواة بين الجنسين.

ويمثل هذا الاعتراف المتزايد بالطبيعة المتداخلة لأزمة المناخ فرصة كبيرة للعمل الخيري. فالصحة والتعليم هما من مجالات التركيز الأساسية للمؤسسات الخيرية في جميع أنحاء العالم، ويعد دمج منظور المناخ في جميع جوانب عملها أمراً ضرورياً للتخفيف من مخاطر أزمة المناخ.

ومن خلال الاستماع بعناية إلى المجتمعات التي تعاني من قضايا متعددة والاستفادة من معارفها وتجاربها المعاشة، يمكننا تعزيز جهودنا لمعالجة الأزمة بشكل أكثر فعالية.

كما يتمتع العمل الخيري بقدرة فريدة على استغلال موارده في تحمل المخاطر وتعزيز الابتكار من خلال دعم الخطوات الأولية ومساندة الحركات الاجتماعية والرؤى الطموحة للتقدم في مجتمعاتنا، وبذلك يلعب دوراً تحفيزياً مهماً في اختبار الحلول المناخية الطويلة الأجل وإثبات جدواها وتوسيع نطاقها.

إن قدرة القطاع على تبني المخاطرة هو ميزة لا تتمتع بها معظم القطاعات الخاصة الأخرى، وتعتبر المخاطر المرتبطة بها هامشية بالمقارنة مع التكاليف المحتملة للتقاعس عن العمل.

لقد سلطت دراسة حديثة الضوء على العواقب الكبيرة للفشل في التصدي لتغير المناخ، وتوقعت أن تصل قيمة الأضرار التي ستلحق بالبنية الأساسية والممتلكات والزراعة وصحة الإنسان نتيجة هذا التقاعس إلى 3.1 تريليون دولار سنوياً. لكن ذلك فرصة استثنائية للاستفادة من أصول المؤسسات الخيرية وهباتها، التي يبلغ مجموعها 1.5 تريليون دولار على مستوى العالم، في مكافحة تغير المناخ والتوجه نحو مستقبل مستدام.

"يتطلب الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة وزيادة الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم اتخاذ إجراءات تحويلية عاجلة".

Shutterstock 1734724430

وافقت الحكومات على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في مؤتمر الأطرافCOP28 . الصورة: شاترستوك.

وكما تبين في مؤتمر الأطراف COP28، هناك عدد كبير من الحلول الموجودة بالفعل لمعالجة تداعيات أزمة المناخ. ويلعب العمل الخيري دوراً حيوياً كشريك أساسي في تمويل وتوسيع مجموعة متنوعة من المبادرات المبتكرة والتحويلية من الاستثمارات في نماذج الأعمال المبتكرة التي تهدف إلى حماية الشعاب المرجانية إلى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للكشف الشامل عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي وتمويل تنمية الأعمال التجديدية والإيكولوجيا الزراعية.

ولا تقتصر مشاركة المؤسسات الخيرية في العمل المناخي على تمويل المبادرات المناخية. فنظراً للطبيعة المتقاطعة لتغير المناخ مع جميع التحديات التنموية الأخرى التي يتصدى لها القطاع الخيري، فإن دمج منظور المناخ في عملنا أمر ضروري لتعزيز الحلول المبتكرة التي تستهدف الأسباب الجذرية.

ومن خلال مبادرات مثل حركة #PhilanthropyForClimate العالمية، يلتزم الممولون بتبني نهج عادل بشأن المناخ في تمويلهم وعملياتهم وهباتهم وجهود المناصرة التي يقومون بها.

ويمكن للعمل الخيري الاستفادة من دوره التحفيزي لدفع التغييرات الضرورية في الخطاب من أجل بناء الإرادة السياسية والمجتمعية حول رؤية موحدة. ويمتلك هذا القطاع النفوذ والسلطة والمنصة لمناصرة السرديات التي توجه المجتمع بعيداً عن تلك الإشكالية التي تعيق اتخاذ الإجراءات الهادفة.

تعد هذه السرديات، مثل تصور عدم الاستغناء عن الوقود الأحفوري لتحقيق الرخاء المجتمعي، أو فكرة أن التحول إلى البدائل "الخضراء" فقط هو كفيل بحل الأزمة، أو التركيز غير المتناسب على التصرفات الفردية مع إهمال مسؤولية الشركات والحكومات، هي سرديات مضللة وتفشل في استيعاب الحجم النظمي للحلول المطلوبة.

إن السرديات المقنعة التي تتصور مستقبلاً يتمحور حول الإنصاف والعدالة لجميع الناس والكوكب لديها القدرة على إلهام المزيد من العمل المناخي المدروس.

يتطلب الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة وزيادة الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم اتخاذ إجراءات تحويلية عاجلة، والتي لم يتم تناولها في الاتفاق النهائي لمؤتمر الأطراف COP28.

يمتلك العمل الخيري قدرات متميزة ويقع على عاتقه دور حاسم في المشاركة في عملية مؤتمر الأطراف ودعم الإجراءات والسياسات كتلك التي تم توضيحها أعلاه.

يمكن للعمل الخيري، باعتباره بارعاً في مد الجسور وتنظيم الاجتماعات، أن يوحد أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص والحكومات والمجتمعات على المستوى الشعبي لتنفيذ وتسريع الحلول المعقدة لهذه القضية المتعددة الأوجه.

وعلى الرغم من أن الموارد الخيرية لا تشكل سوى قطرة في محيط مقارنة بالاحتياجات الهائلة لحماية مستقبلنا، فقد اكتسبت أهمية متجددة في أعقاب مؤتمر الأطراف COP28، مما منحنا شعوراً متجدداً بالتغييرات التي يمكن لهذا القطاع المساعدة في إحداثها على مستوى الأنظمة. ولذلك لا يوجد وقت نضيعه.

توجه ’وينغز‘ دعوة إلى جميع المؤسسات الخيرية ، بغض النظر عن مهمتها أو وضعها أو موقعها الجغرافي، للمشاركة في حركة #PhilanthropyForClimate والتعبير عن التزامها بالعمل المناخي العادل.

تضم هذه الحركة العديد من الالتزامات الخيرية الوطنية بشأن تغير المناخ والالتزام الخيري الدولي بشأن تغير المناخ Philanthropy Commitment on Climate Change ، الذي يضم أكثر من 700 موقع على مستوى العالم. لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.

تم نشر هذه المقالة لأول مرة من قبل ’وينغز‘. يمكنك الوصول إلى المحتوى الأصلي هنا.