العالم الجائع لا يعرف الحدود الوطنية

يتحدث الدكتور هيمانشو باثاك من معهد «ICRISAT» عن سبب كون انعدام الأمن الغذائي أحد أكبر القوى التي تشكل هذا القرن

7484617302 9980627270 O

الدكتور هيمانشو باثاك هو المدير العام للمعهد الدولي لبحوث المحاصيل في المناطق الاستوائية شبه القاحلة (ICRISAT). وهو عالم زراعي مرموق، يتمتع بخبرة تزيد عن 30 عاماً من في الزراعة المقاومة لتغير المناخ، وعلوم التربة، وأنظمة الزراعة المستدامة، وهو داعم عالمي للتحول الزراعي القائم على العلم. وقبل انضمامه إلى معهد «ICRISAT»، ترأس المجلس الهندي للبحوث الزراعية (ICAR).

عندما تفشل المحاصيل ، يضطر الناس إلى الانتقال. وعندما تُهجّر العائلات بسبب الجفاف وفشل المحاصيل، فإنها لا تتوقف دائماً عند الحدود الوطنية.

في جميع أنحاء الجنوب العالمي، من منطقة الساحل، الحزام الشاسع شبه القاحل الممتد عبر إفريقيا من السنغال إلى السودان والقرن الأفريقي، إلى المناطق الجافة في جنوب آسيا والأراضي الزراعية الساحلية في جنوب شرق آسيا، تعمل الصدمات المناخية على تقويض إنتاج الغذاء وتعطل المجتمعات.

يُقدّر البنك الدولي أن ما يصل إلى 216 مليون شخص يمكن أن يضطروا إلى الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050، وذلك مع اشتداد أثار تغير المناخ؛ ومعظم المعرضين لخطر النزوح موجودون في أفريقيا وجنوب آسيا.

في منطقة الساحل، يؤدي الجفاف المطول وضعف المحاصيل، من بين عوامل أخرى، إلى دفع الناس شمالاً عبر النيجر ومالي نحو شمال أفريقيا؛ وبالنسبة للبعض الآخر، يدفعهم حتى عبر البحر الأبيض المتوسط.

وفي جميع أنحاء جنوب آسيا، أدت الفيضانات المتكررة والإجهاد الحراري إلى نزوح الملايين في الهند وبنغلاديش؛ بينما في جنوب شرق آسيا، يجبر ارتفاع منسوب مياه البحار المزارعين والصيادين الساحليين على الانتقال إلى الداخل.

وتتفاقم هذه الضغوط بسبب النمو السكاني السريع، لا سيما في منطقة الساحل، حيث من المتوقع أن يزيد عدد السكان بأكثر من الضعف بحلول عام 2050، مما يضع ضغطاً هائلاً على الأراضي الصالحة للزراعة والمحدودة أصلاً.

وتتكرر القصة نفسها في أماكن أخرى من العالم. ففي الممر الجاف في أمريكا الوسطى، على سبيل المثال، يدفع فشل المحاصيل المتكرر الأسر إلى مغادرة مزارعها والهجرة شمالاً بحثاً عن الغذاء والسلامة.

إن حماية حقوق الناس في البقاء حيث عاشت أسرهم لأجيال تعتمد الآن على تمكين المجتمعات المحلية من إنتاج المزيد من الغذاء من كل هكتار، حتى مع ازدياد قسوة الظروف.

ويجب أن ننظر إلى الأمن الغذائي ليس بوصفه شاغلاً إنسانياً فحسب، بل من منظور السلام والاستقرار؛ ويظهر التاريخ أنه عندما يعجز الناس عن إطعام أسرهم، تتفكك المجتمعات وتندلع الصراعات.

Saudi REEF Programme.Jpg

يعمل معهد «ICRISAT» بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ووزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة العربية السعودية على اعتماد نوع من الذرة الرفيعة أكثر قدرة على التكيف مع المناخ.
الصورة: «ICRISAT»

إن الاستثمار الأكثر استراتيجية في العالم اليوم يكمن في أيدي من يزرعون طعامنا، وليس في الجدران أو الأسلحة. ومن خلال الاستثمار في المحاصيل المقاومة لتغير المناخ، مثل الأصناف المقاومة للجفاف والحرارة، وتوسيع نطاق الوصول إلى الابتكار العلمي والبذور المحسنة، يمكننا مساعدة المجتمعات المحلية على الصمود في وجه الصدمات المناخية، وتأمين سبل عيشها، وتمكينها من البقاء في أراضيها التقليدية.

في المعهد الدولي لبحوث المحاصيل في المناطق الاستوائية شبه القاحلة (ICRISAT)، أصبح لعملنا في مجال القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ أثراً واضحاً بالفعل، ولكن يجب توسيع نطاق مثل هذه الجهود بشكل كبير لتتناسب مع حجم التحدي.

ويُعد الاستثمار في نظم غذائية مرنة في الجنوب العالمي أحد أكثر الاستراتيجيات فعالية وإنسانية لضمان الاستقرار الإقليمي والعالمي في نهاية المطاف.

وفي الواقع، يُقدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن كل دولار يُستثمر في الزراعة المستدامة اليوم سيوفر ما بين سبعة إلى عشرة دولارات من المساعدات الإنسانية وإدارة الهجرة في المستقبل.

وفي معهد «ICRISAT»، نعمل مع الحكومات والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا لتحويل الأراضي الجافة، وهي من أقسى البيئات الزراعية على وجه الأرض، إلى مناطق فرص.

على سبيل المثال، في منطقة بونديلخاند الهندية، الممتدة عبر جنوب ولاية أوتار براديش وشمال ولاية ماديا براديش، حولت تدخلاتنا العلمية في مجال إدارة مستجمعات المياه ما كان في السابق أراضي قاحلة ومهجورة إلى أراضي زراعية مزدهرة وغنية بالمياه.

في النيجر، تعمل أنظمة البذور المقاومة لتغير المناخ الآن على تحويل حالة عدم اليقين إلى إنتاجية. ومن الذرة الرفيعة والدخن اللؤلؤي المقاومين للجفاف إلى الأدوات الرقمية التي ترشد المزارعين بشأن الزراعة وإدارة المياه، يساعد العلم الناس على البقاء والازدهار في أماكنهم.

ويوضح هذان المثالان أن الحلول موجودة؛ وإنما ما ينقصنا هو التوسع، وهذا يتطلب المزيد من الاستثمار المستدام.

"يجب أن ننظر إلى الأمن الغذائي ليس بوصفه شاغلاً إنسانياً فحسب، بل من منظور السلام والاستقرار."

تتمتع الدول المتقدمة بالقدرة على التحرك العملي. علاوة على ذلك، فإن دعم النظم الغذائية في الجنوب العالمي يعد بمثابة تأمين ضد عدم الاستقرار في المستقبل.

ويتمحور موضوع الأغذية العالمي لعام 2025 في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة حول "يداً بيد من أجل غذاء أفضل ومستقبل أفضل"، وهو ما يعكس متطلبات هذه اللحظة، أي استثمار أعمق في العلوم التي تُحدث فرقاً حقيقياً، وشراكة حقيقية.

في جميع أنحاء الجنوب العالمي، يتم تعزيز التعاون بالفعل من خلال مبادرات مثل التي يديرها مركز التميز التابع لمعهد ICRISAT لأجل التعاون فيما بين بلدان الجنوب في الزراعة، حيث تتبادل البلدان المعرفة والبذور والاستراتيجيات لبناء القدرة على الصمود معاً.

ولكن لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا. وللشمال العالمي دوراً حيوياً في الاعتراف بأن الجوع وعدم الاستقرار في أي مكان يمكن أن يهددا الرخاء في كل مكان. ولا شك هناك في وجوب بناء مستقبل الأمن الغذائي والسلام والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ معاً.

مع إحكام أزمة المناخ قبضتها، يتعين على العالم أن يختار التحرك العملي الآن لتعزيز أسس الغذاء والزراعة – أو مواجهة التكلفة المتزايدة للنزوح والاضطرابات.

دعونا نتذكر أن السلام، مثل المحاصيل، يعتمد على ما نزرعه اليوم.

هذه المقالة هي نسخة معدلة من منشور مدونة ظهر لأول مرة على موقع معهد «ICRISAT» الإلكتروني. ويمكنكم قراءة النسخة الأصلية هنا.