قيادة القطاع الخاص

كارل مانلان من فيزا يتحدث عن سبب حاجتنا إلى تعبئة أصول الشركات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة

Shutterstock 545605258

كارل مانلان هو نائب الرئيس لقسم التأثير الشامل والاستدامة لدى فيزا أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا Visa CEMEA. وقبل العمل مع فيزا شغل كارل منصب الرئيس التنفيذي للعمليات في مؤسسة إيكوبانك الخيرية Ecobank Foundation حيث قاد جهود المصرف في مجال التأثير الاجتماعي في 33 سوقاً في أفريقيا. كما شغل كارل مناصب قيادية مختلفة في وكالة تنمية الاتحاد الأفريقي، واللجنة الاقتصادية لأفريقيا، والصندوق العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وهو زميل مؤسسة محمد إبراهيم وزميل معهد آسبن للأصوات الجديدة.

يعتبر الهدف الأخير من أهداف التنمية المستدامة الأهم إلى حد ما. وإدراكاً بأن جميع أهداف التنمية المستدامة الأخرى لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التعاون، يتضمن الهدف 17 من أهداف التنمية المستدامة مقاصد مثل تعبئة الموارد المالية للبلدان النامية من مصادر متعددة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص وأصحاب المصلحة الآخرين. لكن، بينما يفصلنا ما يقل عن ثماني سنوات عن الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، لا تزال المساعدة الإنمائية الرسمية تهيمن على الحديث بشأن التحول الاقتصادي الهيكلي.

في عام 2021، بلغ صافي المساعدة الإنمائية الرسمية التي قدمها أعضاء لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أقل بقليل من 179 مليار دولار. وهذا يمثل أقل من 4.5 في المئة من عجز التمويل المحدد في 4.2 تريليون دولار واللازم لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ورغم أن البلدان وافقت في عام 2015، عندما اعتُمدت أهداف التنمية المستدامة، على زيادة المساعدة الإنمائية الرسمية إلى 0.7 في المئة من الدخل القومي الإجمالي بحلول عام 2030، فإنها لا تزال بعيدة عن تحقيق هذا الهدف. وفي الوقت نفسه، يمكن الاستفادة من أكثر من 100 تريليون دولار من الأصول الخاضعة للإدارة في جميع أنحاء العالم من أجل تسريع وتيرة التنمية.

وإلى جانب اختلافهما من حيث النطاق، يميل القطاعان العام والخاص إلى استهداف جوانب مختلفة من عملية التنمية المستدامة. فعلى سبيل المثال، قد توجه المساعدة الإنمائية الرسمية نحو تحسين النتائج الصحية، في حين أنه من المرجح أن يحفز الاستثمار النمو في قطاع معين، مثل الزراعة.

إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 أمر غير محتمل، ولكن إذا أعادت الشركات تصور تأثيرها على المجتمع وتعميقه، فيمكننا أن نخطو خطوات كبيرة نحو التنمية المستدامة. وسيكون مفتاح هذه العملية هو دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تُولد فرص العمل في البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، وتحفز نمو الدخل، وتعزز جهود الحد من الفقر. ففي الاقتصادات الناشئة، تولد الشركات الصغيرة والمتوسطة سبع وظائف من أصل عشرة، وتساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة الرسمية بنسبة تصل إلى 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي؛ ويرتفع هذا الرقم إلى مستويات أعلى بكثير عند إضافة الشركات غير الرسمية.

وتضطلع الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء بدور مهم بصورة خاصة، إذ تقوم شركات مثل ’كولبوكس‘ Koolboks في نيجيريا، و’هوا نانغ‘ Hoa Nang في فيتنام بتوظيف شباب موهوبين، وتساعد في تقليص الفوارق بين الجنسين وتعيد استثمار الثروة التي تولدها في مجتمعاتها. وتشكل هذه الشركات - والشركات الصغيرة والمتوسطة على نطاق أوسع - العمود الفقري للتنمية المستدامة والمرنة، المتجذرة في المجتمعات، وتوفر فرصاً كبيرة للاتصال بسلاسل القيمة العالمية. ومن خلال اكتساب المواهب ووضع حلول مبتكرة للمشاكل القائمة، يمكن للشركات التي تبدأ بمشاريع صغيرة أن تنمو لتصبح جهات اقتصادية فاعلة ديناميكية ومؤثرة، تخلق المزيد من الثروة للمجتمعات، لاسيما من خلال توفير فرص عمل أفضل لعدد أكبر من العمّال.

"يجب أن يضطلع القطاع الخاص بدور رائد في توفير التمويل اللازم".

Shutterstock 1956159307

يتمتع القطاع الخاص بالقدرة على تعزيز التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة. الصورة: شاترستوك.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى ما يقدر بنحو 500 مليون وظيفة بحلول عام 2030 لاستيعاب القوى العاملة العالمية المتنامية. ولكن، من أجل خلق الكثير من الوظائف، تحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى رأس مال لتنمو وتصبح أكثر مرونة. وفي الوقت الراهن، غالباً ما تكافح للوصول إلى التمويل.

وهناك دور تضطلع به المساعدة الإنمائية الرسمية هنا. ولكن الحكومات المانحة في جميع أنحاء العالم تواجه رياحاً مالية معاكسة متصاعدة في أعقاب جائحة كوفيد-19، وأزمتي الطاقة والغذاء اللتين تسببت فيهما الحرب في أوكرانيا، في الآونة الأخيرة. ويجب أن يضطلع القطاع الخاص بدور رائد في توفير التمويل اللازم.

وينطوي هذا على نقلة نوعية تتيح لرأس المال (والمساعدات) الدفع بعجلة التنمية من خلال الاستثمار في التوظيف وخلق الثروة. ويجب إيلاء اهتمام خاص للشركات التي تديرها النساء، والتي تمثل حالياً 40 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في أفريقيا، ولكنها لا تتلقى سوى 1 في المئة من أموال رأس المال الاستثماري.

وقد تم بالفعل إحراز بعض التقدم على هذا الصعيد. فعلى سبيل المثال، تستثمر شركة ’أروا لإدارة رأس المال‘ Aruwa Capital Management، ومقرها نيجيريا، التي أسستها نساء وتولين قيادتها، في الشركات السريعة النمو التي إما توفر السلع والخدمات الأساسية لـ "الاقتصاد النسائي" أو الشركات التجارية التي أسستها النساء، أو التي شاركن في تأسيسها، أو التي لديها فُرق تتسم بالتنوع الجنساني. ويمكن لمبادرة الاستثمار في تأثير الشركات أن تطلق المزيد من رؤوس الأموال للشركات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما تلك التي تقودها النساء.

ويمكن لمثل هذه الجهود أن تساعد في خلق جيل جديد من نساء "نانا بنز"- اللواتي سيطرن على 40 في المئة على الأقل من الشركات في القطاع غير الرسمي في "توغو" من 1976 إلى 1984- ولكن على نطاق أوسع بكثير. وسيؤدي الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة في الأسواق السريعة النمو، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، إلى تسريع وتيرة التحوّل.

إن هذه المساعدات ليست صدقة. فمثل هذا الاستثمار سيحقق عوائد مالية كبيرة، إذ تشير الدراسات إلى أن الشركات التي تصبو إلى تحقيق هدف ما تتفوق في الأداء على نظرائها، لأسباب أهمها أن الشباب الذين يؤمنون بأغلبية ساحقة أن القضايا الاجتماعية، بما في ذلك العدالة العرقية والبيئة، يجب أن تشكل عملية صنع القرار في الشركات، مرجحين بقدر أكبر لدعمها.

في الوقت نفسه، يجب أن ندرك أن أكثر الاستثمارات ربحية غالباً ما تكون مشاريع طويلة الأجل- بل تلك التي تتوارث جيلاً بعد جيل. وقد لا نتمتع بما جني من ثمار خلال فترة حياتنا، ولكن، على أي حال يجب أن نزرع، من أجل تغذية أحفادنا وتوفير البذور للازدهار في المستقبل.

* تم نشر هذا المقال أول مرة هنا على موقع بروجيكت سنديكيت. حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت www.project-syndicate.org