خمس طرق لتكون ممولاً جيداً

جيما بول وتوم ستاينبرغ، مؤسسا ’مودرن غرانتميكينغ‘ للاستشارات يتحدثان عن أهمية تحلي المانحين بالتواضع

Shutterstock 1994148881

جيما بول هي مؤلفة كتاب  Modern Grantmaking  الصادر عام 2021، كما أنها تدير شركة للاستشارات والتدريب تحمل الاسم نفسه لدعم الجهات المانحة الخاصة والحكومية والشركات من أجل تقديم العطاء بصورة أفضل.

توم ستاينبرغ هو من القادة الذين يحظون بالاحترام في المملكة المتحدة والقطاع غير الربحي على الصعيد العالمي، والمؤلف المشارك لكتاب  Modern Grantmaking  (2021) ويدير مع جيما (أعلاه)، مؤسسة ’مودرن غرانتميكينغ‘.  كما أن توم أحد زملاء أشوكا، وعضو مجلس الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين.

لا يعد تقديم المنح عملاً سهلاً على الإطلاق، بل في واقع الأمر تعتبر عملية تقديم المنح التي تتميز بالجودة والاحترافية أكثر صعوبة. ولهذا السبب أمضينا جزءاً كبيراً من عامين كاملين ونحن نتحدث إلى المانحين والمتقدمين للحصول على المنح والحاصلين عليها بالفعل للتعرّف على تجاربهم - الجيدة منها والسيئة - ثم قمنا بتأليف كتاب بهدف مساعدة المانحين على تحسين أدائهم.

وفي النهاية توصلنا إلى أن عملية تقديم المنح الجيدة تقوم على خمس قيم أساسية، التي إذا تم وضعها في صميم الاستراتيجية التي تتبناها الجهة المانحة، فإنها قد تحقق أقصى تأثير ممكن، وفي الوقت ذاته تقوم بدعم الجهات المتلقية للمنح بأفضل طريقة ممكنة من أجل تطوير قدراتها.

يأتي التواضع في المرتبة الأولى. ويعني التواضع في تقديم المنح ألا ترى نفسك أفضل من الأشخاص الذين تمنحهم التمويل. ويعد ذلك أمراً ضرورياً، لأنه بدون التواضع وإذا كنت تعتقد أنك أكثر ذكاءً وأفضل مكانة من متلقي المنح، فمن السهل جداً ارتكاب أخطاء متعجرفة.

في الحقيقة، من الأسهل إعطاء أمثلة على عملية تقديم المنح التي تتم بصورة غير متواضعة مقارنة بتقديم المنح الذي يتسم بالتواضع، إذ يبدو التواضع في تقديم المنح في أغلب الأحيان وكأنه خطأ قد تم تجنبه.

على سبيل المثال، تم إخبارنا قصة عن إحدى المنظمات غير الربحية التي كانت تدير برنامجاً للتدريب القائم على الحضور المباشر لجلسات التدريب. غير أن الممول دفع المنظمة غير الربحية مراراً وتكراراً إلى إعداد دورة تدريبية عبر الإنترنت قائمة على الفيديو - مثل تطبيق يوتيوب - على الرغم من أن الجهة المتلقية للمنحة أوضحت بشدة أن هذا النموذج لن ينجح في نقل المهارات التي تستهدفها.

ومما لا يثير الدهشة أن برنامج التدريب عبر الفيديو لم يسر بشكل جيد، وهذا مثال واضح لما يبدو عليه تقديم المنح في غياب التواضع. ولهذا السبب يعتلي التواضع قائمة قيمنا الخمس لأننا نرى أنه إذا تم الالتزام به بشكل مناسب، فإن ممارسات التمويل الجيدة الأخرى ستتبعه بشكل تلقائي.

وتأتي قيمة الإنصاف في المرتبة الثانية في قائمتنا. يعني ذلك بمفهومنا النظر في جميع جوانب تقديم المنح وطرح السؤال التالي باستمرار: ’هل يبدو هذا منصفاً وعادلاً؟‘

لكن لماذا يعتبر الإنصاف أمراً مهماً للغاية؟ للأسف، قد تعاني عملية تقديم المنح التقليدية في الكثير من الأحيان من افتقار ملحوظ للعدالة. على سبيل المثال، يمكن - بل وغالباً – ما تتدفق أموال المنح على طول المسارات الأقل مقاومة باتجاه المنظمات التي تنتمي قيادتها إلى الدوائر الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها روّاد العطاء أو مقدمو المنح. وفي أغلب الأحيان يكون ذلك على حساب المنظمات والقادة الذين لم تتم دعوتهم مطلقاً إلى الفعاليات المناسبة ولكنهم جميعاً يديرون  منظمات مبتكرة تؤثر على حياة الكثير من الأشخاص.

يدفع إعطاء قيمة للإنصاف الممولين إلى إجراء تغييرات خارجية وداخلية. يمكن أن يساعد ذلك على الصعيد الخارجي في ضمان استخدام الأموال لدعم المنظمات غير الربحية التي يقودها أشخاص يعانون من أشكال مختلفة من عدم المساواة، مثل الإعاقة والطبقة الاجتماعية والنوع الاجتماعي. أما داخلياً، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى قيام الممولين بتغيير سياسات التوظيف، وعمليات تقديم الطلبات، وعضوية مجلس الإدارة، وحتى من يتخذ القرارات بشأن التمويل.

أما القيمة الثالثة فهي الأدلة. يعني إعطاء قيمة للأدلة الاهتمام بما إذا كانت المنحة ناجحة أم لا، أو على العكس من ذلك، إذا كان لها أثر بسيط أو لا أثر على الإطلاق، أو الأسوأ من ذلك، إذا كانت تتسبب بأضرار.

ويعني الاهتمام بالأثر اتخاذ خطوات ما كنت لتتخذها لأي سبب آخر من أجل تقييم المنح على نحو سليم، والمشاركة في العملية الأوسع لتكوين المعارف المفيدة. ومن الناحية العملية، يعني إعطاء قيمة للأدلة أن تكون على استعداد للاستثمار في الأنظمة والعمليات (ودفع المال للحصول على الدعم المهني) دون النظر إلى ذلك على أنه إنفاق على "التكاليف العامة غير الضرورية".

"يعني التواضع في تقديم المنح ألا ترى نفسك أفضل من الأشخاص الذين تمنحهم التمويل".

Shutterstock 1862144356

يتعين على الممولين أن يتصوروا أنفسهم مكان الجهات المتلقية للمنح. الصورة: شاترستوك.

أما القيمة الثالثة فهي الأدلة. يعني إعطاء قيمة للأدلة الاهتمام بما إذا كانت المنحة ناجحة أم لا، أو على العكس من ذلك، إذا كان لها أثر بسيط أو لا أثر على الإطلاق، أو الأسوأ من ذلك، إذا كانت تتسبب بأضرار.

ويعني الاهتمام بالأثر اتخاذ خطوات ما كنت لتتخذها لأي سبب آخر من أجل تقييم المنح على نحو سليم، والمشاركة في العملية الأوسع لتكوين المعارف المفيدة. ومن الناحية العملية، يعني إعطاء قيمة للأدلة أن تكون على استعداد للاستثمار في الأنظمة والعمليات (ودفع المال للحصول على الدعم المهني) دون النظر إلى ذلك على أنه إنفاق على "التكاليف العامة غير الضرورية".

تأتي الخدمة في المرتبة الرابعة على قائمة القيم الأساسية التي وضعنا. وقد يثير ذلك الدهشة بعض الشيء، لا سيما إذا كان الجهة التي تقدم لك التمويل تنظر إلى متلقي المنح كأشخاص ومؤسسات عليهم الشعور بالامتنان على ما يحصلون عليه من منح وأموال. غير أنه لا يجب علينا - كمقدمي منح - معاملة الجهات التي تسعى للحصول عليها كما تعامل الشركات زبائنها. بل إن قيمة الخدمة تعني أننا يجب أن نتعامل معهم كما لو أنهم قد يذهبون بعيداً وقد نخسرهم.

من هنا لا بد لنا من تثمين الخدمة ليس فقط لأنه من الأخلاقي أن نكون لطفين ونحترم الأشخاص الذين يعملون بجد، ولكن بشكل أكثر إلحاحاً لأننا إذا جعلنا الوصول إلى أموالنا أمراً مرهقاً وصعباً، فإن المنح سوف تتجه نحو الأشخاص ذوي المؤهلات التعليمية العالية الذين يمكنهم التغلب على جميع الحواجز التي نضعها.

إن المنظمات المموِلة التي لا تثمن الخدمة هي في الأساس مؤسسات لا ترغب بتقديم الأموال للأشخاص الذين لا يحملون شهادات جامعية. وهذا يعيد إلى الذهن مسألة الإنصاف، التي تعد مسألة مهمة لأن بعض أفضل الجهود غير الربحية تنفذ من قبل المنظمات المحلية التي تقل احتمالية تمتعها بالمهارات اللازمة لعملية التقدم للمنح.

وأخيراً، نعتقد أن توخي الحرص هو القيمة الخامسة والأخيرة لعملية تقديم المنح العصرية. وهذا يعني تخصيص الساعات والجهد للسعي نحو تقديم المنح على نحو جيد، وعدم الانصياع لفكرة أن عملية تقديم المنح يجب أن تكون سهلة.

يدرك مقدمو المنح الحريصون أنه لمجرد أنه من السهل صرف الأموال لا يعني أن تقديم منح مؤثرة تتسم بالتواضع والإنصاف ومدفوعة بالخدمة وقائمة على الأدلة يعتبر أمراً سهلاً كذلك.

نحن نرى أن اتباع هذه المبادئ التوجيهية يمكن أن يساعدك على توضيح المسائل التي قد تكون غامضة جداً وفهم ذلك الإحساس المحير بأن ’شيئاً ما لا يسير على ما يرام‘ .

فكل ما عليك فعله هو التفكير في نشاط أو مشروع تقوم به في الوقت الحالي، واسأل نفسك، "هل تتماشى أفعالنا مع هذه القيم الخمس؟"