لماذا يولِّد العمل الخيري الصبور عوائد مجزية

إيلين أغلر، الرئيسة التنفيذية لصندوق إنهاء الأمراض المهملة، تتحدَّث عن أهمية فهم الأنظمة قبل محاولة تغييرها

Shutterstock 537128743

إيلين أغلر هي الرئيسة التنفيذية لصندوق إنهاء الأمراض المهملة The END Fund، وهو صندوق تعاوني يعمل للقضاء على المعاناة الناجمة عن ستة من أمراض المناطق المدارية المهملة والتي تؤثر على أكثر من 1.5 مليار شخص في جميع أنحاء العالم. وهي داعمة نشطة لبرامج أمراض المناطق المدارية المهملة مع العشرات من الشركاء في أكثر من 25 دولة، مع إيلاء أفريقيا أهمية خاصة. تعمل إيلين في الوقت الحالي في مجالس إدارة المعهد العالمي للقضاء على الأمراض (غلايد) وتعمل كذلك في x Impact Accelerator100 (المدعوم من كلية لندن للاقتصاد)، وبرنامج مويلي ماليسيلا الإرشادي للنساء في أمراض المناطق المدارية المهملة. كما عملت سابقًا في اوبريشن سمايل والهيئة الطبية الدولية، بالإضافة إلى عملها كصحفية ومستشارة سياسية. كتاب إلين، ’تحت الشجرة الكبيرة‘ Under the Big Tree، هو مجموعة من القصص تحكي عن أولئك الذين يعانون من هذه الأمراض والعمل المنقذ للحياة الذي يمكن القيام به – وهو ما تمَّ بالفعل - لمكافحة أمراض المناطق المدارية المهملة.

غالباً ما ينطلق العمل الخيري من طموح كبير. وبما لدى المموِّلين من أفكار كبيرة وطموحة، وهم قد شرعوا في نقلها إلى أي مشاريع يشاركون فيها. لكنني أعتقد أنه من المهم التراجع وفهم حجم المشكلة ودرجة تعقيدها، لأنه من هناك، يمكنك تحديد أفضل طريقة لحلِّها- ومع من - ستحلّها.

وهذا هو النهج الذي تسير عليه منظمتي، صندوق إنهاء الأمراض المهملة The END Fund، في عملنا على إنهاء أمراض المناطق المدارية المهملة.

إنَّ أمراض المناطق المدارية المهملة معقدة بطبيعتها. وهناك أكثر من مليار شخص يحتاجون لتلقي العلاج الخاص بمرض أو أكثر من أمراض المناطق المدارية المهملة، وكثير من هؤلاء الناس يعيشون في فقر مدقع.

يحتاج توفير العلاج للناس قدراً هائلاً من العمل اللوجستي، ويبلغ الأمر أقصاه بأن تجوّب الفرق الصحية في المجتمعات المحلّية من باب إلى باب لعدة أيام، لضمان حصول أكبر عدد من الناس في هذه المناطق على العلاج المطلوب.

ومع ذلك، توجد هناك حلول ليس للسيطرة على هذه الأمراض فقط، بل للقضاء عليها أيضاً، فيما لو عملنا بشكل جماعي على مستوى الأنظمة. صندوق إنهاء الأمراض المهملة هو عبارة عن مؤسسة تمويلية تعاونية تعمل على حشد الموارد من مجتمع المانحين ومن ثم الشراكة مع المنظَّمات غير الحكومية لتصميم برامج لعلاج الناس من أمراض المناطق المدارية المهملة في 25 دولة.

يتطلب تغيير الأنظمة ترك الأنا والشعارات جانباً والتفكير أكثر في قوة الجهود التنظيمية الجماعية، حيث إن العمل معاً يمكن أن يحقق في كثير من الأحيان تأثيراً أكبر من العمل الفردي. وهذا هو ما يهدف صندوق إنهاء الأمراض المهملة إلى تحقيقه كجزء من النظام البيئي للقضاء على أمراض المناطق المدارية المهملة.

بالنسبة لنا، يشكِّل الاستماع بعمق نقطة البداية لنفهم من هم شركاؤنا، وكيف يمكننا العمل بشكل جماعي لإيجاد حل. نحن أيضاً نبقى واعين بديناميكيات القوة. فعلى سبيل المثال، عندما نعقد اجتماعات فنية وخاضعة لبرامج، فإننا ندعو الممولين، ولكنَّنا نطلب منهم في كثير من الأحيان السماح للسلطات المحلّية في كل بلد بقيادة المناقشة وتوجيه الاجتماعات بدلاً من المموِّلين، لأنَّ هذه السلطات في بلدانها هي التي تقود العمل محلياً.

"يجب على فاعلي الخير أن يتحلَّوا بما يكفي من الصبر لفهم المشكلة فهماً شاملاً قبل الشروعِ في حلِّها".

END Fund LH MSA 10

تعاني يونيس أتينو من كينيا من داء الفيلاريات اللمفاوي، وهو أحد أمراض المناطق المدارية المهملة الذي ينتقل بالنواقل. الصورة: التقطتها سارة وايسوا وشاركت بها في معرض ’إعادة صياغة الإهمال‘ الذي نظمه صندوق إنهاء الأمراض المهملة لرفع الوعي بهذه الأمراض.

لا يتمحور العمل الخيري الفعَّال حول اتباعك لنهج عمل يتجه من أعلى إلى أسفل. بل بالأحرى، فإنَّ الأمر يتعلق بالتوصُّل إلى معرفة أولئك الذين لديهم خبرة عن كثْب وفهم أعمق للقضايا وتوظيفها في تحديد كيفية التعاون. يتعلق الأمر أيضاً بالسماح للأشخاص بمشاركة وجهات نظرهم المختلفة. فلا يجب أن يكون لدى الجميع نفس وجهة النظر، ولكن عليك أن تمتلك عملية شاملة وتشاركية تسمح بوضع خارطة طريق نحو أهداف واضحة.

ومن الأمثلة الرائعة على هذه العملية في الواقع قيام منظمة الصحة العالمية بوضع خارطة طريق للأعوام 2021-2030 لأمراض المناطق المدارية المهملة. شارك صندوق إنهاء الأمراض المهملة كواحد من العديد من أصحاب المصلحة في تنفيذ هذه الخارطة. وبرغم من أنّها كانت عملية تستغرق وقتاً طويلاً للغاية، إلّا أنَّه فقد شارك فيها مئات الجهات الفاعلة في مجال أمراض المناطق المدارية المهملة، والآن، ومن خلال العمل معاً، أصبح لدينا إطار عمل أقرَّته الجمعية العامة لمنظَّمة الصحة العالمية، ما أكسب عملنا الاعتراف والموافقة الرسميين وأعطى جهودنا الجماعية اتجاهاً محدَّداً ومركزاً في عملنا كفريق قطاع جماعي.

على امتداد العقد الماضي وخلال عملي رئيسةً تنفيذيةً لصندوق إنهاء الأمراض المهملة، رأيت بشكل مباشر قيمة تخصيص الوقت لفهم القضايا الدقيقة والمتنوعة التي تطرحها أمراض المناطق المدارية المهملة قبل اتخاذ إجراءات أو مبادرات محددة لمعالجتها، كما أن تفانينا في تحقيق الرؤية الواضحة والعمل باتجاه محدد ومركَّز يميِّزنا. وفي السنوات الأولى لعملنا، غالباً ما كان الأشخاص يتواصلون مع صندوق إنهاء الأمراض المهملة ويطلبون منا التعامل مع قضايا تتصل بقطاعات أخرى.

ومع ذلك، قلنا لا لأننا لم نرغب في الانحراف عن هدفنا الواضح المتمثِّل في - ضمان أن يعيش الأشخاص المعرَّضون لخطر الإصابة بأمراض المناطق المدارية المهملة حياة صحية ومزدهرة. وبدلاً من ذلك، طبقنا نموذجنا باستمرار داخل غرفة القيادة الخاصة بنا.

في الوقت نفسه، نحن متواضعون بما يكفي لفهم الحاجة إلى المرونة لمقابلة المانحين أينما كانوا. على سبيل المثال، ندير أربعة صناديق فرعية منفصلة، يستند كل منها إلى مصالح مانحين مختلفة تعمل حول مجموعة فرعية من الأمراض أو البلدان، مما يسمح للمحسنين بالاستثمار في القضايا أو الأماكن الأكثر أهمية بالنسبة لهم.

نحن في صندوق إنهاء الأمراض المهملة، نعتبر أنفسنا تشكيلاً جماعياً. ويتراوح المستوى العمري لأعضاء مجلس إدارتنا بين 30 و70 عاماً، وكان بيننا أشخاص ينتمون لمختلف مكونات الطيف السياسي. يأتي مانحونا من 50 دولة وخلفيات متنوعة، لكنهم جميعاً متحدون في الرغبة في إنهاء الإعاقة والفقر اللذين يمكن الوقاية منهما واللذين سبَّبتهما أمراض المناطق المدارية المهملة.

أعتقد أن الصبر هو أحد أكثر الاحتياجات إلحاحًا في المجال الخيري – في المضي قدمًا فقط بعد التفكير الاستراتيجي، والاستماع بعمق والتعلُّم مما نعمل، والاستعداد لتقديم ما يلزم في مواجهة تقلُّبات الظّروف للالتزام بحل مشكلة على المدى الطويل. وهكذا سيستفيد مجالنا وعالمنا من هذا النهج الصبور والتعاوني.

استمع إلى إيلين في ’استديو الأثر‘، وهو بودكاست من إنتاج ’زمن العطاء‘.