العمل الخيري

فرحناز كريم، الرئيس التنفيذي لمجموعة إنسان، توضح كيف يستطيع رأس المال الخيري التحفيزي المساهمة في الخروج عن النمط السائد من أجل إحداث تأثير اجتماعي أعمق

Shutterstock 1761425795 2

فرحناز كريم هي رائدة أعمال اجتماعية ومتخصصة في العلوم السياسية. كما أنها المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة ’إنسان‘ Insaan Group وهي كيان للاستثمار المؤثر الذي يخصص رؤوس الأموال الخيرية للتصدي للفقر في الهند وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

في خطابه الذي تحول إلى كتاب بعنوان "سيكولوجية سوء التقدير البشري" أو The Psychology of Human Misjudgment، يصف تشارلي مانجر، الشريك التجاري القديم لوارن بافيت، نزعة الرجل ذي المطرقة، حيث يقول: "بالنسبة لرجل لا يحمل سوى مطرقة، تبدو كل مشكلة إلى حد كبير كالمسمار".

من المؤكد أن الكثيرين ينظرون إلى العالم بطريقة منحازة أو من منظور نظري أو تخصصي واحد. وسواء كان ذلك أمراً لا شعورياً أو معروفاً بالنسبة لنا، فقد حان الوقت لتوسيع نطاق رؤيتنا، وقطاع العطاء والعمل الخيري ليس استثناءً من ذلك.

ولا يزال غالبية العطاء يميل لأن يكون من القمة إلى القاعدة وليس بالضرورة وفقاً لاحتياجات المستفيدين. كما تسترشد الأعمال الخيرية إلى حد بعيد بالهوية المرتبطة بالدين أو العرق أو يتم استخدامها لأغراض الحماية الاجتماعية. وهناك نهج آخر الذي يتم فيه تقديم الهبات الطويلة الأجل للبحوث الطبية والمنح الدراسية، أو العطاء الذي يثيره التعاطف مع أزمة إنسانية. [انظر الرسم البياني أدناه].

لقد تعلمت من الوقت الذي أمضيته في العمل في الميدان، من البوسنة إلى أفغانستان، ومن كينيا إلى الهند، أن الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة (وحكوماتهم أيضاً) لا يفضلون الاعتماد على كرم الآخرين. كما أنهم يحبذون بشدة أن تتم تلبية احتياجاتهم الأساسية (كالتعليم والصحة وتوليد الدخل)، ليس ليوم واحد أو بضعة أشهر فقط، وإنما بشكل مستدام.

إذاً كيف يمكن للأعمال الخيرية أن تستمع إلى هذه الآراء وتتحول فعلاً إلى "رؤوس أموال موجهة نحو الحلول" لمساعدة أولئك الذين لا يحظون بما يكفي من الخدمات التي يقدمها نظامنا بشكله الحالي؟

أظن أن الإجابة على هذا السؤال هي رأس المال التحفيزي: رأس المال الموجه للأعمال الخيرية الذي يمكنه دعم رواد الأعمال من الدول النامية في المراحل الأولى من مشاريعهم من أجل مواجهة التحديات العالمية. فمن شأن هذا النوع من رأس المال أن يسهم في تحفيز الأفكار المبتكرة وحشد المزيد من التمويل من مستثمرين جدد. وفي ظل تزايد الرغبة في المخاطرة مقارنة بالتمويل التقليدي، فإن رأس المال الموجه للأعمال الخيرية يتبوأ مكانة مثلى تتيح إيجاد أفكار جديدة وتوسيع نطاق الحلول.

Access Afya Slum

تساعد مجموعة ’إنسان‘ المنتجات المصنوعة يدوياً على الوصول إلى الأسواق العالمية. الصورة: تم تزويدها.

وفي عام 2012، وصف بيل غيتس العمل الخيري التحفيزي بأنه "ينطوي على إحساس عالي بالمخاطرة في سوق القطاع الخاص" وفي الوقت ذاته التمتع بالقدرة على "تجاوز جوانب القصور الرئيسية للأسواق".

ففي خطاب له أمام إحدى مؤتمرات العمل الخيري الذي أصبح فيما بعد مقالة يتم الاستشهاد بها كثيراً قال غيتس: "إن المستثمرين ليسوا بحاجة إلى نصيب من الفوائد – فهي تذهب لصالح الفقراء أو المرضى أو المجتمع بشكل عام – وجميعهم يحصلون على مكاسب مذهلة من الابتكارات التي لن تسعى إليها الشركات والحكومات على الأرجح ما لم يخطو قطاع العطاء والعمل الخيري أولاً. وبمجرد أن تعثر على حل ناجح، يمكن للأعمال الخيرية التحفيزية تسخير القوى السياسية والسوقية لإيصال هذه الابتكارات إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها".

أعتقد أنه عند مواكبة المشاريع في مراحلها المبكرة ودعمها برؤوس الأموال المجازفة الفريدة من نوعها هذه، فإنه يمكن للعمل الخيري أن يصبح جزءاً من "الحل" ضمن سلسلة من التدخلات الأخرى من كل من القطاعين العام والخاص. كما يمكن أن يصبح جزءاً من جهود أوسع ليشهد العالم قدراً أقل قليلاً من أوجه عدم المساواة.

بعبارة أخرى، ينبغي أن يضطلع العمل الخيري بدوره في إطار جهود جماعية وتعاونية مضاعفة، جنباً إلى جنب مع اللاعبين الآخرين، للدفع بالعمل الخيري وبعالمنا ككل إلى الأمام.

"في ظل تزايد الرغبة في المخاطرة مقارنة بالتمويل التقليدي، فإن رأس المال الموجه للأعمال الخيرية يتبوأ مكانة مثلى تتيح إيجاد أفكار جديدة وتوسيع نطاق الحلول".

في إنسان نحن نتبنى نهجاً تحفيزياً من خلال الاستثمار في مجموعة من الشركات الناشئة التي يقودها رواد الأعمال ذوي البصيرة والذين يتحلون بالجرأة والقادرين على إحداث الأثر المالي والاجتماعي على حد سواء.

نحن نستثمر في الحلول المحلية للتحديات الكبيرة من خلال إيجاد فرص عمل و/أو تقديم منتجات أو خدمات ذات صلة للأسواق التي لا تحظى بالخدمات الكافية. وبدلاً من تمويل مشروع أو مبادرة واحدة، نستثمر في نماذج يمكنها توسيع نطاق الابتكارات وتقديم خدمات أفضل لأولئك الذين تم تهميشهم من قبل نظامنا الاقتصادي كالمرضى والطلاب والمزارعين والحرفيين - ومعظمهم من النساء والفتيات.

وتشمل محفظتنا: ’أكسس أفيا‘ Access Afya، وهي مؤسسة اجتماعية للرعاية الصحية الأولية حائزة شهادةBCorp  وتستخدم الأدوات الرقمية لتوفير الرعاية الصحية الفعّالة وبأسعار في متناول اليد للأحياء الفقيرة في كينيا؛ و’ميلا أرتيزان‘ Mela Artisans  و’سوكو‘ Soko، و’باورد باي بيبول‘ Powered by People و’لال 10‘ Lal 10 وهي منصات قائمة على التكنولوجيا تساهم في وصول الحرف اليدوية المحلية إلى الأسواق العالمية؛ و’أكار إنوفيشنز‘ Aakar Innovations، التي تقوم ببيع الفوط الصحية القابلة للتحول إلى سماد في الهند والأسواق العالمية.

أما الاستثمارات الأخرى التي قمنا بها فهي: ’اسمارت‘ Essmart، وهي شبكة توزيع قائمة على التكنولوجيا توفر منتجات جديدة لكسب العيش للأسواق الريفية في الهند؛ و’جيان شالا‘Gyan Shala ، وهي مؤسسة غير ربحية تقدم التعليم المنخفض التكلفة والعالي الجودة والمرتكز على النتائج في الأحياء الفقيرة في أحمد آباد وآلاف المدارس في جميع أنحاء الهند؛ و’ملكاس‘ Malakass، وهو معمل متخصص في تصنيع دقيق الكسافا (المنيهوت) في مدغشقر - التي باتت حالياً على شفا أول مجاعة ناجمة عن تغير المناخ في العالم.

ويقدر الكثيرون أنه لتلبية الاحتياجات في عالمنا، والتي تم تجميعها في لوحة القياس والمتابعة العالمية الخاصة بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة نحن بحاجة إلى ما لا يقل عن 5 تريليون دولار. وإذا استطاع العمل الخيري القيام فقط بدوره في تحفيز الحلول، فلك أن تتخيل التأثير المضاعف الذي يمكن أن يحدثه.

تخيل فقط هذا العالم. أنك تمسك مفتاح الوصول إليه.