إقامة الشراكات من أجل إحداث الأثر

تشاركنا رائدة الأعمال المتعددة المشاريع وصانعة التغيير شاينور خوجة نصائحها حول الاستثمار الاجتماعي

Shutterstock 2025655805

شاينور خوجة هي صانعة تغيير ورائدة أعمال متعددة المشاريع. شغلت شاينور لما يقرب من عقد من الزمان منصب العضو المنتدب لمجتمع روشان، وهو برنامج المسؤولية الاجتماعية لشركة روشان، مشغل الاتصالات الرائد في أفغانستان الذي أسسه صندوق الآغا خان للتنمية الاقتصادية، حيث أسست شاينور برنامج المسؤولية الاجتماعية للشركات الحائز على العديد من الجوائز والذي يحتضن مبادرات مثل التطبيب عن بُعد والتعلم الإلكتروني، والخدمات النقدية المتنقلة، وتقديم أسعار السلع الزراعية في الوقت الحقيقي من أجل تعميم الخدمات المالية. كما عملت مستشارة إقليمية في منطقة الخليج لمنظمة ميرسي كور الأمريكية غير الحكومية، ومنسقة مشروع لمؤسسة الآغا خان في سوريا وممثلة منطقة الخليج لدى الشراكة العالمية من أجل التعليم حيث كانت مسؤولة عن جلب الإمارات العربية المتحدة إلى الشركة كأول شريك عربي بمساهمة قدرها 100 مليون دولار، والرئيس التنفيذي ومدير عام قسم الرعاية الصحية في فاونديشن القابضة Foundation Holdings، وهي شركة متخصصة في الاستثمار الاستراتيجي يقع مقرها في دبي. وفي عام 2018، أسست شاينورThriving ai، وهي منصة رقمية تبقي كبار السن على تواصل مع عائلاتهم والقائمين على رعايتهم.

كانت الأعمال التجارية في الماضي قادرة على النمو بالتركيز فقط على الاقتصاد الكلي. غير أن كل ذلك قد تغيّر في السنوات الأخيرة، إذ لا يسع الشركات الآن أن تتجاهل الواقع السياسي والاجتماعي والبيئي للعالم من حولنا.

نحن بحاجة حقاً إلى نضوج نوع من الرؤية القادرة على إحداث التغيير إذا أردنا تحقيق أهداف التنمية بحلول عام 2030. وأعني هنا جميع الأهداف وليس فقط الأهداف ذات الصلة بالطاقة والاستدامة بل تلك المتعلقة بالصحة الجيدة والتعليم والمساواة والتنوع والشمول وما إلى ذلك.

ولا يمكن حل أيّ من هذه المشكلات بشكل فردي من قبل حكومة ما، أو من خلال مجموعات تنتمي لقطاع واحد. أعتقد أننا ندخل بالفعل عصر الحل المتعدد القطاعات وأعتقد أيضاً أن ذلك ما تتجه إليه الشركات والمنظمات غير الحكومية، وإلى حد ما كبار السياسيين وصانعو السياسات. من هنا سيكون تأثير جعل الجميع يسعون إلى الهدف نفسه هائلاً.

أنا مسلمة والقرآن بالنسبة لي واضح جداً فيما يتعلق بتكديس الثروات حيث يعد القيام بذلك لمجرد جمع الثروة إثماً. وإذا كنت تنعم بالثروة، عليك التأكد من تلبية احتياجات أسرتك ورعايتها جيداً، ومن ثم عليك توظيف ثروتك بشكل مسؤول، كما يتعين على كل شخص قادر على العطاء أن يقوم به.

وهناك الكثير من العطاء النابع من الإيمان في المنطقة وهذا أمر يستحق الثناء. لكنني أرغب في رؤية المزيد من الانضباط وأن ينظر المانحون حقاً إلى ما يحتاج إليه الناس وأن يستثمروا في مستقبلهم، بدلاً من مجرد منحهم الصدقات.

يعني الاستثمار الاجتماعي إعطاء الأمل للأشخاص الذين لا أمل لهم، لكنه يتعلق أيضاً بجعلهم جزءاً من الحل، وليس خلق ميل نحو الاتكالية والاعتماد على المساعدة. فلا جدوى من العطاء في قربة مخرومة سوى استمرار اعتماد الناس على المساعدات. علينا أن نشرك المستفيدين في الحل حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم.

يمكن للمفاهيم الخاصة بالأعمال التجارية أن تلعب دوراً مهماً هنا وأن تساعد الناس على العطاء بذكاء، مع الأخذ أيضاً بعين الاعتبار تحقيق الأثر والاستدامة. على سبيل المثال، كيف يمكنك توظيف التكنولوجيا، وكيف يمكنك توسيع نطاق الحل، وكيف ترسخ الإدارة السليمة؟ لا يقل تمتعك بالحنكة الجيدة في مجال الأعمال أهمية عن امتلاكك للثروة عندما يكون هدفك هو إحداث إثر اجتماعي يدوم طويلاً.

هناك مقولة لجبران خليل جبران أذكرها كثيراً وهي: "إنك إذا أعطيت فإنما تعطي القليل من ثروتك. ولكن لا قيمة لما تعطيه ما لم يكن جزءاً من ذاتك". تحمل هذه المقولة معان عميقة. يمكنك التبرع بالمال لفعل الخير، وهذا ليس بالأمر الصعب، ولكنك عندما تقدم فكرك وحنكتك فعندها فقط ستكون قادراً على إحداث فرق حقيقي؟

أعتقد أن القطاع الخاص في المنطقة بحاجة إلى النظر بتمعن في كيفية قيامه بالاستثمار وتصميم البرامج المستدامة ذات الصلة بنشاطه التجاري الأساسي.

"لا جدوى من العطاء في قربة مخرومة سوى استمرار اعتماد الناس على المساعدات. علينا أن نشرك المستفيدين في الحل حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم".

Shutterstock 1901543716

يتمتع التطبيب عن بعد بالقدرة على الوصول إلى المجتمعات المنعزلة وتوفير الرعاية الصحية الحيوية. الصورة: شاترستوك.

بين عامي 2004 و2012، كنت العضو المنتدب لمجتمع روشان التابع لشركة روشان الرائدة في تشغيل الهواتف المحمولة في أفغانستان، وترأست في ذلك الوقت عدداً من برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات في مجالات الصحة والتعليم والتجارة وتعميم الخدمات المالية.

كان أحد هذه البرامج هو إنشاء نظام للتطبيب عن بُعد لمساعدة المستشفيات التي تعاني من نقص المواهب في أفغانستان في تدريب الأطباء والممرضات والاستفادة من الخبرات الطبية في الخارج. فقمنا في روشان بتقديم ​​منحة أولية مدتها ثلاث سنوات لتوفير المعدات والاتصال بالإنترنت لكنهم اهتموا بكل شيء بنفسهم فيما بعد. كان ذلك قبل 14 عاماً. واليوم لا زالوا يحققون تقدماً بارزاً وقد أظهر ذلك طريقة جديدة للعمل في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات في بيئات غير مستقرة وشديدة العوز مثل أفغانستان.

تنشأ الشراكات الجيدة عندما يضع كل شريك وكل صاحب مصلحة خبراته على الطاولة من دون أن يكون هناك جهة أقوى أو أضعف. فكل طرف بحاجة إلى الآخر. وعندما تقوم بذلك بالشكل الصحيح يبدأ مفعول السحر ونبدأ برؤية نتائج مبهرة.

جمعت مبادرة التطبيب عن بُعد في أفغانستان العلاقات الحكومية والمتخصصين في مجال الرعاية الصحية والمنتجات والشركاء المختلفين مثل ’سيسكو‘ Cisco و’نيتلينك تكنولوجيز‘ Netlink Technologies و’أيه كي يو إتش‘ AKUH، وقسم التكنولوجيا وقسم المشتريات في روشان وجميعهم يعملون في شراكة.

بالطبع لا يعد هذا النوع من الشراكات بالمهمة السهلة على الإطلاق، إذ يتطلب بذل الكثير من الجهود لبناء الثقة وتخصيص الكثير من الوقت، ولذلك لا يمكن لقسم المسؤولية الاجتماعية للشركات القيام بذلك بمفرده بل يحتاج إلى الدعم من مسؤولي الإدارة العليا. من الضروري أن يكون هذا الالتزام واضحاً في أوساط أصحاب المناصب الرفيعة وبينما يتدرج إلى الأسفل، فإنه يجذب الأشخاص والمدخلات على طول الطريق.

أعتقد حقاً أن الوقت قد حان لإقامة المزيد من هذه الشراكات التي تهدف إلى إحداث الأثر. أعتقد أن كلاً من القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الهادفة للربح قد وصلوا إلى مرحلة يدركون فيها ذلك. فالبعض منهم يفعل ذلك بالفعل وبشكل جيد للغاية. ويقوم البعض بإجراء التجارب ولكن هناك بالتأكيد رغبة واضحة للغاية للتحرك في هذا الاتجاه.

"تنشأ الشراكات الجيدة عندما يضع كل شريك وكل صاحب مصلحة خبراته الخاصة على الطاولة من دون أن يكون هناك جهة أقوى أو أضعف. فكل طرف بحاجة إلى الآخر".

يتحدث الناس كثيراً عن المخاطر عندما يتعلق الأمر بالأعمال الخيرية للشركات. أعتقد أن على كل شركة أن تفكّر ملياً في حجم المخاطرة التي ترغب في تحملها لكن من دون الإقدام على أي مخاطرة في عطائك فإن ما ستقدمه لن يتجاوز كونه عملاً خيرياً.

لدي أيضاً اعتقاد راسخ بأنه لا بد للشركات من توظيف خبراتها في استحداث برامج مبتكرة. وليس من الضروري أن يكون شيئاً جذرياً إلى حد بعيد بحيث يتحدى نسيج المجتمع، لكنه يجب أن يكون مبتكراً ويقرب الناس من بعضهم البعض وإلا فلن يكون هناك أثر مستدام.

أنشأنا في روشان مراكز للتعليم الإلكتروني في أجزاء مختلفة من أفغانستان. في البداية، كانت هذه المراكز متاحة للرجال فقط، لكننا أوضحنا أنه في مناطق مثل مقاطعة هلمند وقندهار إذا تمكنت الأمهات من الحصول على التعليم، فسيكون بإمكانهن أيضاً تعليم أبنائهن. وعلى الرغم من أن هذا النهج انطوى على مخاطر، لكنه آتى أكله وكان تأثيره هائلاً جداً.

كما أقمنا مطابخ الحساء لإطعام الأطفال العاملين في الشوارع، لكننا كنا نقدم لهم الطعام إذا حضروا بعض الحلقات التعليمية. قد يبدو ذلك أمراً فظيعاً، لكنه كان حافزاً كبيراً لانتشالهم من الشوارع ومنحهم بعض التعليم كي يتمكنوا من الحصول على عمل أكثر كرامة لهم في المستقبل. وعلى المستوى الثانوي، كان خبراء التغذية لدينا يصممون الوصفات للتأكد من أن الطعام الذي نوفره صحي لأكبر درجة ممكنة ومصنوع من مكونات محلية من أجل دعم الاقتصاد المحلي.

إذا استعرضت مسيرتي المهنية يمكنني القول بأنني أتمنى لو كنت أفهم مفهوم مشاركة أصحاب المصلحة كما أفهمه اليوم. فأنت تتولى دائماً هذه الأدوار وأنت تعتقد، من دون شك، أن كل شخص يريد الأفضل للجميع ولكن في الوقت ذاته، لكل شخص أجندته الخاصة. ولذلك، كلما تعرفت على شركائك واحتياجاتهم بشكل أفضل، كان بإمكانك أن تضع نفسك مكانهم بشكل أفضل ويصبح من الأسهل بناء هذه العلاقات والوصول بالمشاريع إلى النجاح المأمول.

ليس من السهل القيام بذلك، بل يمكن أن يكون في بعض الحالات أمراً صعباً للغاية. لكنه أمر قابل للتحقيق ولذلك أشعر بالفعل أنه لا بد من استثمار المزيد من الوقت في التعرف على الشركاء وتحديد ما تريده (ولما لا تريده) كمؤسسة حتى تتمكن من الغربلة بسرعة لتكون جهودك مثمرة إلى أقصى حد ممكن.

أعتقد أننا حالياً في مجال لم يطرق من قبل، حتى أن أفضل الخطط الاقتصادية والاجتماعية الموضوعة في حالة تغير مستمر في كل مكان. لكن لدي أمل في المستقبل لأنني أرى جيلاً جديداً مستعداً وراغباً في قبول التحديات المقبلة ومواجهتها. أعتقد أنه يتعين علينا القيام بالكثير لكنني على ثقة بأننا سننجح في ذلك.