هذه ليست صدقة، بل عدالة
تتحدث لوجان مراد، مدير مؤسسة «خالد بن سلطان القاسمي الإنسانية»، عن دور العمل الخيري في إحداث تغيير منهجي.
الثلاثاء, 02 سبتمبر 2025
تتحدث لوجان مراد، مدير مؤسسة «خالد بن سلطان القاسمي الإنسانية»، عن دور العمل الخيري في إحداث تغيير منهجي.
الثلاثاء, 02 سبتمبر 2025
لوجان مراد هي مديرة مؤسسة «خالد بن سلطان القاسمي الإنسانية»، والتي تأسست في إمارة الشارقة لتحمل رسالة الراحل خالد بن سلطان القاسمي في توفير أنظمة الرعاية والحماية للأطفال للاستغلال والاتجار حول العالم. وُلدت لوجان ونشأت في دولة الإمارات العربية المتحدة، ودرست تكنولوجيا المعلومات في مرحلة الجامعة، تغيرت حياتها من خلال سلسلة من التجارب التطوعية في تنزانيا واليونان، مما دفعها إلى تكريس حياتها المهنية لأجل القطاع الاجتماعي والتنموي. وعملت لما يقرب من عقدين في مؤسسة كبرى تقود برامج مجتمعية.
انطلقت مؤسسة «خالد بن سلطان القاسمي الإنسانية» لتكريم إرث المغفور له بإذن الله الشيخ خالد بن سلطان القاسمي، وتجسيداً لرؤيته لعالم أكثر أماناً لجميع الأطفال، وخاصة المتواجدين في مناطق النزاعات والحروب. وعملت قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة خالد بن سلطان القاسمي الإنسانية ، على إحياء هذه الرؤية من خلال أعمال المؤسسة.
إن موقعنا في الشارقة يحمل معنى عميقاً إذ يجسد جوهر الرسالة التي تبنّتها الإمارة منذ عقود، وهي بناء الإنسان وضمان أمنه واستقراره.
فالشارقة جعلت من التنمية البشرية والشمول الاجتماعي محوراً لنهضتها، وأسست لرؤيةٍ إنسانية تعتبر حماية الأفراد، وبشكل خاص النساء والأطفال، ركيزةً أساسية في أي مشروع تنموي. ومن خلال هذا الالتزام، أصبحت الإمارة بيئةً تُترجم القيم إلى أفعال، وتُحوّل العمل الإنساني إلى منظومة متكاملة تصون كرامة الإنسان وتعزز وعي المجتمعات بحقوقها ومسؤولياتها.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فتعد وشريكاً فاعلاً رئيسياً في صياغة التوجهات الإنسانية العالمية، من خلال مبادراتها النوعية ومواقفها الثابتة في الوقوف إلى جانب الشعوب المحتاجة.
إن مؤسسة «خالد بن سلطان القاسمي الإنسانية» هي مؤسسة دولية، وبالتالي فإن عملنا البرامجي هو أيضاً دولي، ويستند إلى ثلاث ركائز: مبادرات الحماية، وبناء القدرات، والمناصرة.
إننا نعطي الأولوية للمبادرات التي تحمي الأطفال من الاستغلال، سواءً من العمل القسري، أو الاتجار بالبشر، أو زواج الأطفال، أو التجنيد القسري في النزاعات.أو غيرها من أشكال العنف.
إن نهجنا يتجاوز مجرد معالجة الأعراض، ويتصدى للأسباب الجذرية لكي يُحدث تغييراً دائماً ومنهجياً. على سبيل المثال، نحن لا نقول: طفل هش أو ضعيف، بل نقول طفل في ظروف هشة وأوضاع ضعيفة. ولا نقول أن يفاقم من الخطورة التي تتعرض لها الطفولة بل نقول: تعالوا نبني المدارس، وندرب الطواقم والمعلمين، ونسهل وصول الجميع إلى مصادر العلم والمعرفة، وتعالوا نصمم برامج توعية وتثقيف للأهالي والطواقم والمؤسسات. وهذا لأن اللغة مهمة، فهي تُشكل الكيفية التي نرى وندعم بها من نخدمهم.
"إن مرونة واستقلالية العمل الخيري هما أمران ضروريان عند معالجة قضايا معقدة وعميقة، مثل عمالة الأطفال والاتجار بهم وممارسة العنف ضدهم".
نحن نؤمن بالتعاون والعمل المشترك، ونرى فيه وسيلة قوية لمواجهة استغلال الأطفال حول العالم، في هذا السياق عقدنا شراكة مع منظمة «أنقذوا الأطفال» في زنجبار لدعم الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، النساء والأطفال على حد سواء، من خلال تقديم المساعدة القانونية، وبناء القدرات، وتمكين المجتمع المحلي عبر حملات التوعية.
ونعمل في أونغوجا، وهي الجزيرة الرئيسية لأرخبيل زنجبار، وكذلك في بيمبا. ونهدف إلى إفادة أكثر من 1,000 ناجٍ بشكل مباشر، والتأثير بشكل غير مباشر على 10,000 شخص في المجتمع المحلي الأوسع.
في الوقت نفسه، في المكسيك، بالتعاون مع منظمة «بلان إنترناشونال» يُنفّذ المشروع بعنوان «حُماة الأطفال» لحماية الأطفال أثناء تنقلهم على امتداد طُرق الهجرة. والهدف هو دعم 7,000 طفل ومراهق مهاجر، وضمان استفادة 15,000 فرد إضافي من حملات التوعية وجهود بناء القدرات المجتمعية.
وإننا ندرس حالياً مبادرة أخرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تُركز على الأطفال العاملين في المناجم؛ وبالتوازي مع ذلك، نُجري أبحاثاً في كل من المغرب والعراق وجنوب آسيا بهدف توسيع نطاق برامجنا لتشمل منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا في وقت لاحق من هذا العام.
وقد أطلقنا عدد من المبادرات في المملكة المغربية بهدف تعزيز منظومة الحماية المجتمعية والمؤسساتية للأطفال، وتعزيز قدرات الأهالي والمجتمعات على حماية أبنائهم، إلى جانب معالجة تداعيات الفقر وتسرب الأطفال إلى الشوارع واختلاطهم في نواحي خطرة.
إن اختيارنا للدول يعتمد على الأبحاث المكثفة، والاستشارات، والاستعداد الحكومي. وبدون دعم حكومي، فلا يمكن للبرامج أن تدوم، لذا من المهم أن نعمل في إطار التعاون والشراكات، التي تشمل الجهات الرسمية والمنظمات والمؤسسات المحلية والدولية.
كما نقوم بمواءمة عملنا مع الأطر العالمية مثل أهداف التنمية المستدامة — وتحديداً الهدف 8.7 (عمالة الأطفال والاتجار بهم)، والهدف 16.2 (الحماية من الإيذاء والاستغلال)، والهدف 5.3 (القضاء على الزواج القسري).
في المكسيك، تتعاون مؤسسة خالد سلطان القاسمي مع منظمة بلان إنترناشونال لحماية الأطفال المتنقلين على طول طرق الهجرة. الصورة: KSQF
ويلعب العمل الخيري دوراً بارزاً فيما نقوم به؛ فالمرونة واستقلالية العمل الخيري هما أمران ضروريان عند معالجة قضايا معقدة وعميقة، مثل عمالة الأطفال والاتجار بهم وممارسة العنف ضدهم.
بخلاف الهيئات الحكومية، التي غالباً ما تكون مقيدة بالبيروقراطيات والدورات السياسية، بُمكن للعمل الخيري اتخاذ خطوات سريعة وفعالة ومبتكرة ، وتمويل حلول غير مستكشفة بعد، ودعم المنظمات الأقرب إلى المشكلة برغم كونها الأبعد عن التمويل التقليدي.
ويُشكّل العمل الخيري حلقة وصل، حيث يربط الجهود الشعبية بالخبرات العالمية، ويسد الفجوات التي تعاني فيها المؤسسات العامة من نقص الموارد أو عدم القدرة على المبادرة بالعمل.
كما أن العمل الخيري يُعزز عمل الحكومات والهيئات المتعددة الأطراف التي لا يجوز أن تظل وحيدة في مواجهة التحديات . وإننا نرى العمل الخيري كوسيلة للدفع نحو المزيد من المساءلة، والاستثمار في التغيير المنهجي طويل المدى، وليس فقط لضمان سماع أصوات الأطفال والمجتمعات المحلية، بل لتصبح أصواتهم المركز الذي تتمحور حوله استجابتنا لهم.
وحصلنا على الدعم من قِبَل شركة «نفط الهلال»، ومجموعة «بيئة»، ومجموعة «ألِف»، وهي شركات رائدة في الشارقة، وذلك من خلال تمويل العمل الإنساني، وهذه كلها شراكات مهمة لاستدامتة أعمالنا.
وفيما يتعلق بالدعم التبرعات نريد لشركائنا أن بتفاعلوا معنا، ويتلقوا تقاريرنا، ويزوروا مواقعنا، ويروا عن كثب إلى أين يذهب دعمهم. ولا يتعلق الأمر بالمسؤولية الاجتماعية للشركات؛ إنما هو منظومة كاملة وممارسات مستمرة وليس برنامجاً مؤقتاً
إن حماية الأطفال ليست مجرد فكرة عابرة ولاحقة، بل هي واجب أساسي. كما إن حماية الطفل ليست صدقة؛ بل عدالة.
عندما نعمل معاً عبر القطاعات والحدود، يُمكننا تغيير المنظومات التي تخذل الأطفال، وإحداث أثر دائم. أما التقاعس، فهو ظاهرة كارثية؛ أطفال مجبرون على العمل، ويُتاجر بهم عبر الحدود، ويُتركون دون تعليم أو هوية قانونية، وهذه أضرار تمتد عبر الأجيال.
على الجهات الرسمية أن تعلم أن تكلفة حماية الأطفال من الاستغلال هي أقل بكثير من تكلفة إهمال هذه الظواهر. في النهاية سيكون الثمن من مستقبلنا وأمننا جميعاً بلا استثناء.
لو كان بإمكاني تغيير تصور عالمي سائد واحد، لكان التأكيد على أن حماية الطفل ليست إضافة خيرية. وإنما حق أساسي من حقوق الإنسان وشرط مسبق للتنمية المستدامة.
قد نكون مؤسسة جديدة صاعدة ، ولكن أحلامنا كبيرة. إننا نقدم المنح، ونتوسع، ونجمع التبرعات لتحقيق المزيد. وسنواصل المضي قدماً، خطوة بخطوة، لأن هذا العمل ليس مهماً فحسب، بل هو ضروري.
It's a good idea to use a strong password that you're not using elsewhere.
Remember password? Login here
Our content is free but you need to subscribe to unlock full access to our site.
Already subscribed? Login here