إرساء دعائم العمل الخيري التعاوني

Shutterstock 2101929508

نيلسون أمايا هو باحث يتولى عملية جمع البيانات والدراسات الاستقصائية في مركز العمل الخيري التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي منظمة دولية تعمل على بناء سياسات أفضل من أجل حياة أفضل. ويتمثل هدفها في صياغة السياسات التي تعزز الرخاء والمساواة والفرص والرفاه للجميع.

روسانا تاتولي هي باحثة متدربة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتعكس هذه المقالة آراء المؤلفين وليس موقف المنظمة.

تلعب الأعمال الخيرية الخاصة دوراً متزايد الأهمية في التنمية، إذ يُظهر أحدث تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعنوان "الأعمال الخيرية الخاصة من أجل التنمية" أنه في الفترة بين عامي 2016 و2019، قامت مجموعة تضم 205 منظمات خيرية كبرى بحشد أكثر من 42.5 مليار دولار لتمويل القضايا الإنمائية، أي نحو 10 مليارات دولار سنوياً.

وعلى الرغم من أن هذا المبلغ يعد صغيراً بالمقارنة مع المساعدة الإنمائية الرسمية، التي وصلت إلى 179 مليار دولار في عام 2021، إلا أنه يُظهر بوضوح أن الأعمال الخيرية تتحول من موقعها الهامشي لتصبح مساهماً مهماً في مجال التنمية.

علاوة على ذلك، فاقت الأعمال الخيرية المحلية في دول مثل الهند والصين والمكسيك ما تحصل عليه كل دولة من هذه الدول كمساعدات خارجية، وهو ما يؤكد على الدور الذي تلعبه الأعمال الخيرية في الأسواق الناشئة في مجالات مختلفة مثل التعليم والصحة والزراعة والمساواة بين الجنسين والنهوض بالبحث العلمي.

وبينما تعمل بعض المنظمات الخيرية بشكل منفتح وتعاوني وتتفاعل مع كافة مستويات التنمية (الحكومات والشركات والمجتمع المدني)، لا تزال المعلومات الموثوقة والقابلة للمقارنة والمتاحة للجمهور حول التمويل الخيري والأولويات والسلوكيات نادرة على نحو مُستغرب.

ومن بين 103 مؤسسة عالمية قمنا باستطلاعها، تشارك 43 منها المعلومات حول برامجها، ومن بين هذه المؤسسات لم تشارك سوى 33 التفاصيل في تقييماتها.

إن نقص الوعي في أوساط المانحين حول العطاء الذين يقوم به بعضهم البعض فضلاً عن قلة البيانات حول تأثير تبرعاتهم يعيق في النهاية القيام بالخير على نحو أفضل. فما السبيل لتغيير دفة الأمور؟ الإجابة هي تكوين مجتمعات للمانحين.

Network Circlemena

يستجيب روّاد العطاء للحملات التعاونية ويفضّلون في أغلب الأحيان العمل معاً بدلاً من العمل بشكل فردي. ويعتمد مدى هذا التعاون على درجة معرفتهم وثقتهم ببعضهم البعض، وما إذا كانت العوامل الخارجية تدفع باتجاه التعاون الذي لن يحدث بخلاف ذلك. فمن خلال التعاون تستطيع المؤسسات الوصول إلى أهداف لم تكن لتحققها بمفردها.

مع ذلك، وعلى الرغم من الفوائد التي يتيحها التعاون هذه والاهتمام المتزايد بالشراكات، إلا أن هناك مفارقة لافتة: فنحو نصف المنظمات الخيرية التي شملتها الدراسة الاستقصائية التي قمنا بها قد ذكرت أن "تحديد شركاء التمويل ذوي المصالح المتوافقة" هو العائق الرئيسي أمام العمل التعاوني، رغم أن من العديد من هؤلاء المانحين اعترفوا بأنهم كانوا "مترددين في مشاركة المعلومات".

لكن متى تتشكل مجتمعات المانحين؟ تلقي الدراسة الاستقصائية التي أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضاً الضوء على هذا الأمر. فبعض المنظمات الخيرية تترابط جيداً ببعضها البعض من خلال المستفيدين من المنح الإقليميين والمواضيعيين والمشتركين. وتظهر الدراسة الاستقصائية التي أجريناها أن 69 مؤسسة خيرية من أصل 103 تتشارك مع مؤسسات أخرى في تمويل المشاريع والجهات المتلقية للمنح ويحدث المزيد من التمويل المشترك عندما تتوفر المزيد من البيانات للجمهور.

فخلال جائحة كوفيد-19، على سبيل المثال، اجتمعت المؤسسات المانحة والشركات والصناديق العائلية في المكسيك لإنشاء ’أنسمبل‘ Ensamble، وهي منصة لحشد الموارد والاستراتيجيات من أجل مساعدة الأشخاص الأكثر تضرراً من الوباء. ومؤسسة ’كلايمت وركس‘ الخيرية ClimateWorks Foundation هي مثال آخر على تجميع الموارد من المنظمات الخيرية لتنسيق جهود مكافحة تغير المناخ.

وهناك بالفعل المزيد من الوسائل التعاونية للقيام بالأعمال الخيرية وسيتم إنشاء العديد منها في السنوات القادمة.

وتعمل بعض المؤسسات الخيرية في الشرق الأوسط سوياً بالفعل ويتم دعم هذا النهج التعاوني من خلال منصات مثل منصة سيركل، وهي شراكة بين مبادرة بيرل وزمن العطاء وملتقى المؤسسات العربية الداعمة.

إن الطريق لبناء مجتمع للمانحين ما يزال أمامنا، وهو يعتمد على مشاركة المعلومات وبناء الثقة وإيجاد أرضية مشتركة للعمل سوياً. وفي النهاية، سيوضح ذلك ما إذا كان القطاع مستعداً للعمل معاً.

ناقش ممثلون عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لأبحاث السياسات وجهات خيرية ومؤسسات إقليمية بارزة أوجه التعاون وأهمية البيانات في العمل الخيري من أجل التنمية في ندوة عقدت في أكتوبر 2022 في رأس الخيمة. للمزيد عن الفعالية أضغط هنا.