ما علاقة الثقة بالعمل الخيري؟

أوغو تشكودي، مساعدة شؤون البرامج في مؤسسة تراست أفريقيا ، تسبر أغوار الاختلال في ميزان القوى بين الجهات المانحة والمستفيدة من المنح

Solidaridaduganda 042019 4216

أوغو تشكودي هي مساعدة شؤون البرامج في مؤسسة تراست أفريقيا TrustAfrica. في عام 2020، تحوّل صندوق كيسي الاستئماني إلى كيان مستقل وأصبح يُعرف باسم مؤسسة كيسي ترست. 

كان دخولي إلى عالم العمل الخيري المجتمعي كمساعدة مشروع لدى صندوق كيسي الاستئماني Kiisi Trust Fund وهو صندوق موصى به من قبل المانحين وتديره مؤسسة تراست أفريقيا TrustAfrica. في تلك الفترة كان صندوق كيسي الاستئماني يستخدم نموذجاً تشاركياً لتقديم المنح ويستعين بمجلس استشاري كجزء من هيكله الإداري من أجل تحديد المنح وتقديمها لشعب أوغوني الذي يقطن في مقاطعة ريفرز في نيجيريا.

لقد أحببت كثيراً العمل مباشرة مع المجتمعات المحلية لأن ذلك شكل مناخاً مناسباً للشركاء من المجتمع وغيرهم من أصحاب المصلحة، لا سيما الجهة المانحة (صندوق كيسي الاستئماني) لإجراء محادثات صريحة بشأن مبادرات التنمية والانطلاق نحو إعادة بناء الثقة في بيئة لا تزال غارقة في النزاعات.

مع كانت هناك دينامية إشكالية تسببت بها اختلال موازين القوى.

تؤثر الهياكل التقليدية في مجال التنمية وتستمر في التأثير على الطريقة التي تتفاعل فيها المجموعات المختلفة مع بعضها البعض. لكن السؤال الحقيقي في ذلك الوقت كان: كيف يمكنني العمل مع أصحاب المصلحة المحليين أو الممثلين عن المجتمعات من دون أن أفرض نفسي أو الصلاحيات التي أتمتع بها كجهة ممولة؟

وكان مفهوم "الثقة" واحداً من الأمور التي واجهت صعوباتٍ معها في البداية عندما بدأت أفهم "حركة تغيير ميزان القوى" #ShiftThePower. فقد كانت هذه الفكرة غريبة بالنسبة لي. وخلال المناقشات التي دارت حول هذا المفهوم، كنت أطرح الأسئلة حول ما إذا كان من الممكن حقاً الوثوق بأن المنظمة قادرة على العمل بشكل مستقل من دون الخضوع لسلسلة من عمليات التدقيق والعناية الواجبة.

لقد نبع انعدام الثقة الذي كنت أشعر به من تجربتي السابقة مع بعض الشركاء الذين كنت أعمل معهم. ففي عملي، كان علي أن أتحقق بعناية من أن المنظمة ستنفذ ما تم الاتفاق عليه في البداية. ولدى مراجعة التقارير التي يعدها الشركاء، كنت إذا وجدت شيئاً ما يتعارض مع سياستنا، كنا نجري التعديلات اللازمة على المنحة ونعيد تخصيص الموارد المالية لوضع عملية مالية جديدة للمؤسسة لتعزيز الامتثال.

ولم يكن التفاوض مع الجهة الشريكة بشأن هذه القضايا تجربة جيدة لأنه أدى في بعض الأحيان إلى إبداء التردد والمعارضة من قبل الشركاء. فقد كانوا ينظرون إلينا كجهة تفتقر للمرونة وتمارس الديكتاتورية، أما نحن فكانت لدينا شواغل كبيرة متعلقة بالامتثال كان لا بد من تسويتها.

لكن أين يمكننا رسم الخط الفاصل؟ هل تعد العلاقة التي يتم تعزيزها مع الجهة المستفيدة أكثر أهمية من شروط الامتثال؟ وهل تعتبر هذه اللحظة "لحظة تعليمية" لتعزيز "بناء قدرات" الجهة الشريكة والجهة المانحة؟ أم يجب تقبل اختلاف الآراء مع اتخاذ القرار بهدوء بعدم "تجديد" المنحة ووقف العلاقة مع الطرف الآخر؟

لقد أدركت أن الثقة أمر متبادل، تماماً كرقصة التانغو التي تحتاج دائماً إلى شخصين لأدائها. تعتبر الثقة جانباً مهماً من العمل الخيري، فالجهات المانحة ترغب في التأكد من أن أموالها تستخدم بفعالية وكفاءة لتحقيق التأثير المطلوب، أما الجهات المستفيدة من المنح فتريد التمتع بالحرية للقيام بمبادرات التنمية على النحو الذي تراه مناسباً.

"لا أطلب من الممولين الدوليين التخلي تماماً عن مخاوفهم المتعلقة بالثقة وإنما أدعوهم إلى النظر إلى الثقة من منظور آخر".

Shutterstock 1474779227

لابد أن يضع الممولون الدوليون ثقتهم بشركائهم المحليين لأنهم يتمتعون بفهم أعمق للسياق المحلي. الصورة: شاترستوك.

وهناك أسباب مختلفة تعرقل بناء الثقة بين الشركاء والممولين، كالافتقار إلى الشفافية والإدارة المالية التي لا تتماشى مع الخيارات المفضلة لدى الجانبين. وتماماً كالمثال السابق، تقوض مثل هذه الحالات الثقة وتضر بسمعة المنظمات التي تقوم بعمل رائع، وتلقي بظلالها على العطاء.

وفي بعض الأحيان يستخدم الممولون "أساليب معقدة" كفرض متطلبات إبلاغ صارمة أو غير واقعية، أو ربما يحجبون التمويل بسبب حدوث انتهاكات طفيفة تم تسجيلها بعد إخضاع الطرف الآخر لعمليات رصد وتقييم مبالغ بها، والفشل في تقديم الدعم الكافي في مجال إدارة الشركاء عندما لا تسير الأمور وفقاً للخطة الأولية.

هذه هي الحالات التي تجعل الشركاء يتراجعون لتجنب المخاطر المصاحبة لها، مما يزيد من تقويض إمكانية إعادة بناء الثقة.

وحتى عندما تكون التحيزات موجودة فلا بد من النظر في أهمية الطبيعة المتبادلة للثقة في هذه الأنواع من العلاقات. لماذا؟ لأن الثقة تسمح بالتواصل المفتوح والصادق بين الجهة الممولة والمستفيدة، ما يفضي إلى فهم أفضل لاحتياجات الأخيرة وأهدافها. كما يسمح ذلك بالمزيد من المرونة والابتكار في عمل الجهة المستفيدة، إذ من المرجح أن تثق الجهة الممولة بفكرة أن الجهة المستفيدة تعرف تماماً ما الذي تقوم به وما الاجراءات الأفضل لمنظمتها ومجتمعها.

كما تساعد الثقة في بناء علاقات طويلة المدى بين الجهة الممولة والجهة المستفيدة من المنح، وهو أمر جوهري لبناء شراكة بين الطرفين تتميز بقدر أكبر من التعاون والفعالية من أجل العمل معاً لتحقيق هدف مشترك.

وفي حال لم تتم مناقشة الاختلال في القوى في التحكم في التمويل والتأثير ووضع جدول الأعمال والتصدي له بشكل صريح فيمكنه أن يؤدي إلى تآكل الثقة بين الجهة الممولة والمستفيدة من المنح، ما يؤثر سلباً على كلا الطرفين وعلى المجتمعات يتم العمل على خدمتها.

وأنا لا أطلب من الممولين الدوليين التخلي تماماً عن مخاوفهم المتعلقة بالثقة وإنما أدعوهم إلى النظر إلى الثقة من منظور آخر، كالثقة الموجودة في العمل الخيري المجتمعي. يسلط العمل الخيري المجتمعي على الثقة التي ترسخ العلاقات بين المانحين المحليين وصانعي التغيير في المجتمع مع التركيز القوي على الملكية والمشاركة المحلية.

يمكن للممولين الدوليين التعلم من هذه الأنظمة البديلة والناشئة حول كيفية ممارسة الثقة في العمل التنموي واستخدامها في وضع أهداف واستراتيجيات المشاريع بشكل مشترك من خلال الانخراط في عمليات صنع القرار التي تتسم بالشفافية والسعي للحصول على آراء أعضاء المجتمع.

إن الثقة موجودة على مستوى العمل الخيري المجتمعي لكنها ثقة بعيدة عن إجراءات العناية الواجبة المعقدة وأساليب  الامتثال الشائعة في معظم أنظمة الشمال العالمي.

وبصفتي ناشطة في قطاع التنمية، فإنني أرى أن التغيير الذي نسعى لتحقيقه لا بد أن يبدأ بي وبك. فمن الأهمية بمكان الاعتراف بالقوة والمزايا والتأثير الذي نتمتع به كأفراد واستخدامها كفرصة لتعزيز التغيير.

تم نشر هذه المقالة لأول مرة على موقع #ShiftThePower وتمت إعادة نشرها وترجمتها بإذن.