التعاون هو الحل

ناتاشا ريدج المدير التنفيذي لمؤسسة القاسمي توضّح لماذا ينبغي على المانحين من المنطقة العمل سوياً

Bil Yad (By Hand) paintings on woven palm frond bases by Dubai-based visual artist Perry El-Ashmawi in Ras Al Khaimah. (Photo: Marisa Engelbrecht)

الدكتورة ناتاشا ريدج هي المدير التنفيذي لمؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسات. ويذكر أن مؤسسة القاسمي التي يقع مقرها في رأس الخيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة هي مؤسسة فكرية بارزة مكرسة لإجراء البحوث وتيسيرها في مجالات التعليم والصحة العامة والتنمية الحضرية. وقبل توليها هذا المنصب، شغلت ناتاشا منصب مدير البحوث بالإنابة في كلية دبي للإدارة الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، قدمت ناتاشا خدمات استشارية حول جوانب مختلفة من السياسات التعليمية، لا سيما المناهج والتقييم والتدريب لمنظمات مرموقة مثل البنك الدولي ومنظمة اليونيسيف والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في دول مثل قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.

يعتبر التعاون الفعّال أمراً ضرورياً؛ فحتى أفضل الجهود الخيرية وذات النوايا الحسنة مآلها الفشل في غياب مثل هذا التعاون. ولا ينبغي للتعاون الفعّال أن يشمل المنظمات الخيرية فحسب، بل لا بد أن يشمل أيضاً الحكومات والقطاع الخاص، والأهم من ذلك، المجتمعات التي نهدف إلى خدمتها. فمن خلال تبني هذا النهج المشترك في العمل يمكننا حشد المزيد من التمويل لمساعدة الأشخاص المحتاجين وتنسيق الجهود وتبسيطها. كما أن التعاون الوثيق يعزز استدامة المشاريع إذ من المرجح أن يدعم المانحون البرامج التي تتمتع بمصادر تمويل متعددة.

ومنذ أن قام صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، حاكم رأس الخيمة في عام 2009 بتأسيس مؤسسة القاسمي، المنظمة الخيرية التي يقع مقرها في دولة الإمارات العربية المتحدة، حددنا التعاون كأولوية في جميع أنشطتنا ومبادراتنا. وباعتبارنا مؤسسة تركّز على البحوث والعمل البرنامجي، فإننا نسعى لأن نكون بمثابة جسر بين الباحثين وصانعي السياسات والمنظمات والمجتمع ومصدراً للدعم بالنسبة لهم. والأهم من ذلك هدفنا المتمثل في تحسين نوعية حياة الناس بشكل عام من خلال دعم التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لإمارتنا على الصعيد المحلي ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام.

وعندما أتأمل في الوقت الذي أمضيته في العمل مع مؤسسة القاسمي، أجد أن الدرس الأكثر قيمة الذي تعلمته هو أهمية التعاون وتنمية العلاقات الهادفة مع المنظمات الأخرى العاملة في القطاع. ففي المؤسسة دائماً ما نحاول، وبقدر ما نستطيع، مساعدة المنظمات الأخرى من خلال توفير الموارد ومراجعة المواد وتسهيل التواصل مع المنظمات الأخرى.

"بينما نقدر روح الكرم السائدة في المنطقة، فإننا ندرك أن هناك إمكانية لتحقيق المزيد".

Shutterstock 2213061181 2

قلعة ضاية في رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة. الصورة: شاترستوك.

وكان ذلك بالتحديد الهدف الرئيسي لمشاركتنا في استضافة فعالية "دور الأعمال الخيرية الخاصة في التنمية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في أكتوبر 2022. لقد كان هذا الحدث ثمرة تعاون على المستويين المحلي والدولي مع الشبكة العالمية للمؤسسات العاملة من أجل التنمية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومبادرة بيرل. وقد جمعت هذه المبادرة أكثر من 40 مؤسسة خيرية من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتشارك في الفكر والرؤى، إلى جانب المانحين وصانعي السياسات لإقامة الشراكات من أجل العمل بطريقة أكثر كفاءة وفعالية مع مجتمعاتنا المحلية.

ومن الأمثلة الأخرى على مبادراتنا التعاونية الطويلة "مهرجان رأس الخيمة للفنون البصرية"، وهو عبارة عن مبادرة فنية ومجتمعية غير هادفة للربح تسعى لإبراز المواهب والإبداعات المتنوعة للفنانين والمصورين وصانعي الأفلام المحليين والدوليين. ويتم عقد هذا المهرجان سنوياً ويتم خلاله التركيز على تعزيز التواصل بين أفراد المجتمع ومجموعة متنوعة من الشركاء في مجال الثقافة والفنون. وقد شهدت نسخة 2023 من المهرجان تعاوناً مع جهات مثل سفارة مملكة هولندا ومؤسسة مارينكو سوداك والقنصلية العامة لجمهورية كوريا وكاميرات ’فليك‘ وغيرها. ومن خلال هذه الشراكات، تمكنا من تقليل التكاليف إلى الحد الأقصى وضمان إتاحة المهرجان لجميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن عرقهم أو جنسهم أو خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية.

وفضلاً عن إيماننا بالشراكات مع المنظمات الخيرية الدولية، نحن نؤمن بشدة كذلك بأهمية العمل بشكل وثيق مع الجهات الفاعلة المحلية في رأس الخيمة ودولة الإمارات العربية المتحدة. فعلى مدى العامين الماضيين، تناولنا العديد من القضايا المتعلقة بالرفق بالحيوان. وقد بدأت جهودنا بإجراء البحوث وتوجت بتشكيل لجنة حكومية دولية في رأس الخيمة مختصة بتعزيز الرفق بالحيوان. وبعد ذلك، عقدنا شراكة مع وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة لرفع مستوى الوعي برعاية الحيوان على الصعيد الوطني. ومؤخراً، قمنا بتأسيس لجنة للإصلاح القانوني في رأس الخيمة لاستكشاف أساليب جديدة ومبتكرة لمنع الجريمة تستهدف الأشخاص الذين ارتكبوا جنحاً بسيطة. وتضم اللجنة ممثلين عن النيابة العامة، ومحاكم رأس الخيمة، مركز إيواء النساء والأطفال، والمؤسسات الإصلاحية، ومكتب محاماة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

"يعد التعاون نهجاً ضرورياً ومن دونه قد نفوت فرصاً مهمة لتوحيد جهودنا من أجل مساعدة المحتاجين".

Photo L R Ranya Saadawi Dr Natasha Ridge And Bathylle Missika

استضافت مؤسسة القاسمي فعالية بعنوان "دور الأعمال الخيرية الخاصة في التنمية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" بالتعاون مع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومبادرة بيرل.

وتؤكد خبراتنا أن اهتمامنا في مساعدة المنظمات الأخرى - فضلاً عن أفراد المجتمع - يعزز بشكل كبير فرص نجاحنا، مما يجعلنا شركاء لهم وليس مجرد جهة ممولة. وهنا في منطقة الخليج، لدينا قطاع خيري حيوي ومزدهر يركز المانحون فيه على مجموعة متنوعة من القطاعات مثل التعليم والصحة والبيئة وسبل العيش ودعم المجتمع. كما أن المشهد الخيري في المنطقة متنوع للغاية، حيث يتألف من مزيج من المؤسسات الخيرية العائلية الخاصة، والشركات التجارية، والمنظمات الخيرية التي تمولها الدولة. وهذه الجهات الخيرية تتبنى أساليباً مختلفة في العمل، بدءاً من الإحسان وتقديم التبرعات بالمفهوم البسيط وانتهاءً بتنفيذ نماذج أكثر تطوراً في تقديم المنح والقيام بالعمل الخيري الاستثماري.

إن العطاء متأصل بعمق في الثقافة المحلية التي يؤكد على أهمية دعم أفراد المجتمع المحتاجين إلى المساعدة. وبينما نقدر روح الكرم السائدة في المنطقة، فإننا ندرك أيضاً أن هناك إمكانية لتحقيق المزيد. وللتأثير على العمل الخيري على المستويين الإقليمي والعالمي، استثمرنا في مبادرة العمل الخيري المستدام والمحلي والمفتوح والترحيبي (SLOW) التي تقوم على التعاون في كل ركيزة من ركائزها. فنحن نؤمن إيماناً راسخاً بأن التعاون يعزز الاستدامة المالية، ويزيد الوعي بالاحتياجات والأولويات المحلية، ويعزز الانفتاح على وجهات نظر جديدة ويضمن التواصل وإمكانية الوصول إلى المجتمعات المحلية. كما يعمل النهج التعاوني على تمكين الممولين من القطاع الخيري من تحسين توظيف الأموال، وتجنب ازدواجية الجهود من خلال تبادل المعارف الأساسية بين المنظمات.

وباختصار، يعد التعاون نهجاً ضرورياً ومن دونه قد نفوت فرصاً مهمة لتوحيد جهودنا من أجل مساعدة المحتاجين. والأهم من ذلك كله أن علينا تجنب الخطر الحقيقي المتمثل في الإغفال عن دون قصد عن أولئك الذين يحتاجون إلى أكبر قدر من المساعدة. من هنا، يشكّل الانخراط في المحادثات داخل هذه القطاعات خطوة أولية مهمة في تغيير المشهد الخيري. لكن إحداث تأثير إيجابي وحقيقي يتطلب تجاوز الشكليات وإقامة شراكات ملموسة وعميقة مع نظرائنا في العمل الخيري على الصعيدين المحلي والإقليمي لنتمكن من تحقيق تغيير ملموس وذي مغزى.

’باليد‘ رسومات على الخوص (سعف النخيل) للفنانة التشكيلية المقيمة في دبي بريهان العشماوي، إحدى المشاركين في برنامج الفنانين المقيمين في مؤسسة القاسمي في رأس الخيمة. والتقطت الصورة: ماريسا إنجلبريت.